وقيل : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار كانوا يقولون آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا للحديبية تخلفوا عنها فأنزل الله عزوجل قالت الأعراب آمنا أي صدقنا (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) أي لم تصدقوا بقلوبكم (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أي استسلمنا وانقدنا مخافة القتل والسبي (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أخبر أن حقيقة الإيمان هو التصديق بالقلب وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص. (ق) عن سعد بن أبي وقاص قال : «أعطى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رهطا وأنا جالس فترك رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجلا منهم هو أعجبهم إليّ فقلت ما لك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو مسلما ذكر ذلك سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك ثم قال إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه». زاد في رواية قال الزهري : «فترى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل الصالح» لفظ الحميدي اعلم أن الإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان لقوله لإبراهيم عليهالسلام : «أسلم قال أسلمت لرب العالمين» ومنه ما هو انقياد باللسان والقلب وذلك قوله : ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم.» وقيل : الإيمان هو التصديق بالقلب مع الثقة وطمأنينة النفس عليه والإسلام هو الدخول في السلم والخروج من أن يكون حربا للمسلمين مع إظهار الشهادتين.
فإن قلت : المؤمن والمسلم واحد عند أهل السنة فكيف يفهم ذلك مع هذا القول.
قلت بين العام والخاص فرق فالإيمان لا يحصل إلا بالقلب والانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان فالإسلام أعم والإيمان أخص لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص ولا يكون أمرا غيره فالعام والخاص مختلفان في العموم والخصوص متحدان في الوجود فذلك المؤمن والمسلم.
وقوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي ظاهرا وباطنا سرا وعلانية وقال ابن عباس تخلصوا له الإيمان (لا يَلِتْكُمْ) أي لا ينقصكم (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي من ثواب أعمالكم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم بين حقيقة الإيمان فقال تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) أي لم يشكوا في دينهم (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي في إيمانهم ولما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون وعرف الله منهم غير ذلك فأنزل الله عزوجل : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) أي تخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي لا تخفى عليه خافية (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي لا يحتاج إلى إخباركم (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) هو قولهم أسلمنا ولم نحاربك يمنون بذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبين بذلك أن إسلامهم لم يكن خالصا (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) أي لا تعتدوا عليّ بإسلامكم (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) أي لله المنة عليكم أن أرشدكم وأمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم وادعيتم وهو قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إنكم مؤمنون (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي إنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض فكيف يخفى عليه حالكم بل يعلم سركم وعلانيتكم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي بجوارحكم الظاهرة والباطنة والله سبحانه وتعالى أعلم.