يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١))
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) يعني الأوثان (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أي رجعوا إلى عبادة الله تعالى بالكلية وتركوا ما كانوا عليه من عبادة غيره (لَهُمُ الْبُشْرى) أي في الدنيا وفي الآخرة أما في الدنيا فالثناء عليهم بصالح أعمالهم وعند نزول الموت وعند الوضع في القبر ، وأما في الآخرة فعند الخروج من القبر وعند الوقوف للحساب وعند جواز الصراط وعند دخول الجنة وفي الجنة ففي كل موقف من هذه المواقف تحصل لهم البشارة بنوع من الخير والراحة والروح والريحان (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) يعني القرآن (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي أحسن ما يؤمرون به فيعملون به وهو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو عنه والعفو أحسن الأمرين وقيل ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم وقيل يستمعون القرآن وغيره من الكلام فيتبعون القرآن لأنه كله حسن وقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أسلم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاءه عثمان وعبد الرّحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزلت فيهم (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وقيل نزلت هذه الآية في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون لا إله إلا الله وهم زيد بن عمرو وأبو ذر وسلمان الفارسي (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) أي إلى عبادته وتوحيده (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) قال ابن عباس : سبق في علم الله تعالى أنه في النار وقيل كلمة العذاب قوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) وقيل قوله هؤلاء في النار ولا أبالي (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) أي لا تقدر عليه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أبا لهب وولده (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) أي منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل هي أرفع منها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) أي وعدهم الله تلك الغرف والمنازل وعدا لا يخلفه (ق) عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم فقالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» قوله الغابر أي الباقي في الأفق أي في ناحية المشرق أو المغرب.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ) أي أدخل ذلك الماء (يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) أي عيونا وركايا ومسالك ومجاري في الأرض كالعروق في الجسد قال الشعبي كل ماء في الأرض فمن السماء نزل (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ) أي بالماء (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي مثل أصفر وأخضر وأحمر وأبيض وقيل أصنافه مثل البر والشعير وسائر أنواع الحبوب (ثُمَّ يَهِيجُ) أي ييبس (فَتَراهُ) أي بعد خضرته ونضرته (مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) أي فتاتا متكسرا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) قوله عزوجل :
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣))
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) أي وسعه (لِلْإِسْلامِ) وقبول الحق كمن طبع الله تعالى على قلبه فلم يهتد (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) أي على يقين وبيان وهداية.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن مسعود قال «تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على