الوعيد في أول وهلة وإذا ذكر الله ومبني أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة لينا في جلودهم وقيل إن المكاشفة في مقام الرجاء أكمل منها في مقام الخوف لأن الخير مطلوب بالذات والخوف ليس بمطلوب وإذا حصل الخوف اقشعر منه الجلد وإذا حصل الرجاء اطمأن إليه القلب ولان الجلد (ذلِكَ) أي القرآن الذي هو أحسن الحديث (هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي هو الذي يشرح الله به صدره لقبول الهداية (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي يجعل قلبه قاسيا منافيا لقبول الهداية (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي يهديه. قوله عزوجل :
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦))
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) أي شدته (يَوْمَ الْقِيامَةِ) قيل يجر على وجه في النار وقيل يرمى به في النار منكوسا فأول شيء تمسه النار وجهه ، وقيل هو الكافر يرمى به منكوسا في النار مغلولة يداه إلى عنقه وفي عنقه صخرة من كبريت مثل الجبل العظيم فتشعل النار في تلك الصخرة وهي في عنقه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عنه للأغلال التي في يديه وعنقه ومعنى الآية أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن العذاب (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) أي تقول لهم الخزنة (ذُوقُوا ما) أي وبال ما (كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) أي في الدنيا من المعاصي (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل كفار مكة كذبوا الرسل (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني وهم غافلون آمنون من العذاب (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ) أي العذاب والهوان (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي يتعظون (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي فصيحا أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي منزها عن التناقض ، وقال ابن عباس : غير مختلف. وقيل : غير ذي لبس وقيل : غير مخلوق ويروى ذلك عن مالك بن أنس وحكي عن سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين إن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي الكفر والتكذيب.
فإن قلت ما الحكمة في تقديم التذكر في الآية الأولى على التقوى في هذه الآية.
قلت سبب تقديم التذكر أن الإنسان إذا تذكر وعرف ووقف على فحوى الشيء واختلط بمعناه واتقاه واحترز منه. قوله تعالى :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي متنازعون مختلفون سيئة أخلاقهم والشكس السيء الخلق المخالف للناس لا يرضى بالإنصاف (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) أي خالصا له فيه ولا منازع ؛ والمعنى واضرب يا محمد لقومك مثلا وقل لهم ما تقولون في رجل مملوك قد اشترك فيه شركاء بينهم اختلاف وتنازع كل واحد يدعي أنه عبده وهم يتجاذبونه في مهن شتى فإذا عنت لهم حاجة يتدافعونه فهو متحير في أمره لا يدري أيهم يرضي بخدمته وعلى أيهم يعتمد في حاجاته وفي رجل آخر مملوك قد سلم لمالك واحد يخدمه على سبيل