صالِحاً)فقال : وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فقال وحشي أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) فقال وحشي نعم هذا فجاء فأسلم» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا به فأنزل الله تعالى هذه الآية فكتبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا جميعا وهاجروا. وعن ابن عمر أيضا قال كنا معشر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم نرى أو نقول ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش قال فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا هلك فنزلت هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا من أصحابنا من أصاب شيئا من ذلك خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئا رجونا له وقوله (أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي تجاوزوا الحد في كل فعل مذموم قيل هو ارتكاب الكبائر وغيرها من الفواحش (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) أي لا تيأسوا من رحمة الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله من الكبائر (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فإن قلت حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي وإطلاقا في الإقدام عليها وذلك لا يمكن.
قلت المراد منها التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب ، فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة فمعنى قوله (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) أي إذا تاب وصحت التوبة غفرت ذنوبه ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فإن شاء غفر له وعفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته فالتوبة واجبة على كل أحد وخوف العقاب مطلوب فلعل الله تعالى يغفر مطلقا ولعله يعذب ثم يعفو بعد ذلك والله أعلم.
(فصل في ذكر أحاديث تتعلق بالآية)
روى ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد فإذا قاصّ يقص وهو يذكر النار والأغلال فقام على رأسه فقال لم تقنط الناس ثم قرأ (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) عن أسماء بنت يزيد قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ولا يبالي أخرجه الترمذي ، وقال حديث حسن غريب (ق). عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا ثم خرج يسأل هل له توبة فأتى راهبا فسأله فقال هل لي من توبة قال لا فقتله وجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فضرب صدره تخوفا فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينها فوجد أقرب إلى هذه بشبر فغفر له» لفظ البخاري ولمسلم قال «فدل على راهب فأتاه فقال له إن رجلا قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة قال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض