(بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦))
(بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) يعني القرآن (فَكَذَّبْتَ بِها) أي قلت ليست من الله (وَاسْتَكْبَرْتَ) أي تكبرت عن الإيمان بها (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) أي زعموا أن له ولدا وشريكا وقيل هم الذين يقولون الأشياء إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) قيل هو سواد مخالف لسائر أنواع السواد (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) أي عن الإيمان.
قوله تعالى : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي الشرك (بِمَفازَتِهِمْ) أي الطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة وقرئ بمفازاتهم أن ينجيهم بفوزهم بالأعمال الحسنة من النار (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي لا يصيبهم المكروه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي مما هو كائن أو يكون في الدنيا والآخرة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي إن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتيح خزائن السموات والأرض واحدها مقلاد مثل مفتاح وقيل إقليد على غير قياس قيل هو فارسي معرب قال الراجز :
لم يؤذها الديك بصوت تغريد |
|
ولم يعالج غلقها بإقليد |
والمعنى أن الله تعالى مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الله الذي يملك مقاليدها ، وقيل مقاليد السموات خزائن الرحمة والرزق والمطر ومقاليد الأرض النبات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي جحدوا بآياته الظاهرة الباهرة (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قوله عزوجل : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه فوصفهم بالجهل لأن الدليل القاطع قد قام بأنه هو المستحق للعبادة فمن عبد غيره فهو جاهل (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) أي الذي عملته قبل الشرك ، وهذا خطاب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمراد به غيره لأن الله عزوجل عصم نبيه صلىاللهعليهوسلم من الشرك وفيه تهديد لغيره (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي لإنعامه عليك. قوله تعالى.
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨))
(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره ثم أخبر عن عظمته فقال (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (ق) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال «جاء جبريل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع