مقامهما فعادت الكف الثالثة ، مكتوب عليها : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) وانصرفت الكفّ. وقاما مقامهما فعادت الكف الرابعة ، مكتوب عليها بالعبرانية : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة : ٢٨١]. فولّى يوسف هاربا. (١)
وقد كان وهب ـ أو من نقل عنه وهب. ذكيا بارعا ، حينما زعم أن ذلك كان مكتوبا بالعبرانية وبذلك أجاب عما استشكل ، ولكن مع هذا لن يجوز هذا التلفيق الكاذب إلّا على الأغرار والسذج من الناس ، ولا أدرى أى معنى يبقى للعصمة بعد أن جلس بين فخذيها وخلع سرواله ، وما امتناعه عن الزنا ، فى مروياتهم المفتراة إلا وهو مقهور مغلوب ..
ثم ما هذا الاضطراب الواضح فى الرويات؟ .. أليس الاضطراب الذى لا يمكن التوفيق بينه كهذا من العلل التى ردّ المحدّثون بسببها الكثير من المرويات ، لأنه أمارة من أمارات الكذب والاختلاق؟
ثم كيف يتفق ما حيك حول يوسف ـ عليهالسلام ، وقول الحق تبارك وتعالى ، عقب ذكر الهمّ :
(كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)
[يوسف : ٢٤]
فهل يستحق هذا الثناء من قيل عنه هذا الكلام؟
ثم كيف تتفق هذه الروايات الهذيلة ، وما حكاه الله ـ عزوجل ـ عن «زليخا» بطلة المراودة ، حيث قالت : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف : ٥١]
__________________
(١) الدر المنثور ٤ / ١٤