لهم معبدا يعبدون الله فيه ، فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم ، فاستحضرهم بين يديه ، فسألهم عن أمرهم ، وما هم عليه فأجابوه بالحق ، ودعوه إلى الله عزوجل ، ولهذا أخبر تعالى بقوله :
(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) أى لا يقع منا هذا أبدا ، لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلا ، ولهذا قال عنهم (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) أى باطلا وكذبا وبهتانا.
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أى هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) يقولون بل هم ظالمون كاذبون فى قولهم ذلك ...
فيقال : إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم ، وتهدّدهم وتوعّدهم ، وأمر بنزع لباسهم عنهم ، الذى كان عليهم من زينة قومهم ، وأجّلهم لينظروا فى أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذى كانوا عليه .. وكان هذا من لطف الله بهم. فإنهم فى تلك الفترة توصّلوا إلى الهرب منه ، والفرار بدينهم من الفتنة ..
وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن فى الناس ، أن يفر العبد منهم خوفا على دينه ، كما جاء فى حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» ففى هذه الحال يشرع العزلة عن الناس.
فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم ، واختار الله تعالى لهم ذلك ، وأخبر عنهم بذلك فى قوله تعالى : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) أى وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانهم فى عبادتهم غير الله ، ففارقوهم أيضا بأبدانكم. (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أى يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) أى أمرا ترتفقون به.