(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا) أي أجيبوا (لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) الرسول (لِما يُحْيِيكُمْ) أي للقرآن الذي به تحيى القلوب أو للقتال (١) الذي فيه الحيوة الدائمة في الآخرة ، لأنه سبب الشهادة التي تورث الحيوة (٢) ، نزل ترغيبا للمؤمنين في إجابة النبي عليهالسلام إذا دعاهم لأمر الدين أو الدنيا (٣) ، قيل : دعا النبي عليهالسلام أبي ابن كعب وكان على الصلوة في بيته فلم يجبه ، فعجل في صلوته ، ثم جاءه ، فقال : فقال ما منعك عن إجابتي؟ قال كنت أصلي ، قال ألم تسمع فيما أوحي إلى «إستجيبوا لله والرسول» ، فقال : لا جرم ، لا تدعوني إلا أجبت (٤) بعد اليوم (٥) ، وهو مما اختص به النبي عليهالسلام أو كان دعاؤه لأمر لا يحتمل التأخير ، فاذا وقع للمصلي مثله فله أن يقطع الصلوة ويجيبه ، قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) نزل حين جبنوا عن القتال ، فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله ، واعلموا أن الله يحول بين الإنسان وإرادة قلبه وإخلاصه له تعالى فلا يستطيع شيئا إلا بمشيته وإذنه (٦) ، فألجؤوا إليه معتمدين عليه ، لأنه هو الهادي والمضل ، وقيل : «يحول بين المؤمن ومعصيته التي تجره إلى النار وبين الكافر وطاعته التي تجره إلى الجنة» (٧) ، ولذلك كان عليهالسلام يقول كثيرا : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (٨)(وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [٢٤] في الآخرة فيجازيكم بما في قلوبكم وأعمالكم.
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً) أي ذنبا أو عذابا إن أصابكم (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بمعنى لا تصبهم بالاختصاص بل يعمكم أثرها فلا تعملوا المنكرات ، قال النبي عليهالسلام : «إن الله لا يعذب العامة بفعل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه ، فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة» (٩) ، قيل : يجوز أن يكون (لا تُصِيبَنَّ) نفيا مجزوما في جواب الأمر (١٠) ، أكد بالنون مبالغا في تحقق (١١) إصابة الفتنة للظلمة ، وذلك لأن دخولها مختص بالطلب ولا طلب في جواب الأمر ، وإنما دخلت فيه لأن في هذا النفي معنى النهي ، وفي النهي طلب ، فهو عدول عن الخبر إلى الإنشاء لضرب (١٢) من المبالغة إذ لا يقال ذلك إلا في أمر يتردد القائل فيه فلذلك أكد بالنون ، و «من» في (مِنْكُمْ) للتبعيض ، أي لا يصيبن بعضكم وهم الذين ظلموا خاصة ، وأن يكون صفة ل (فِتْنَةً) حال كونه منفيا بتقدير (١٣) مقولا فيها ، ويكون دخول النون على المنفي في غير القسم شاذا (١٤) ، وأن يكون نهيا بعد الأمر ، فكأنه قيل احذروا فتنة ، ثم قيل لا تتعرضوا للظلم فيصيب أثر الفتنة وهو عقاب (١٥) الذين ظلموا خاصة ، وهم أنتم ف (مِنْكُمْ) للبيان ، وذلك (١٦) التفسير حسن (١٧) ، لأن النهي في (لا تُصِيبَنَّ) وإن كان متوجها إلى الفتنة في الظاهر لكن المراد نهيهم عن التعرض لها ، فيؤول
__________________
(١) للقتال ، ب س : القتال ، م.
(٢) الحيوة ، ب م : ـ س.
(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٣ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٦٢.
(٤) أجبت ، س : أجيب ، ب م ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦١٦ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٦٢.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٦١٦ ؛ أو الكشاف ، ٢ / ١٦٢.
(٦) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٢ / ٦١٦.
(٧) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٣ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦١٦.
(٨) رواه الترمذي ، القدر ، ٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦١٧.
(٩) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٩٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦١٨.
(١٠) أخذه المصنف عن البغوي ، ٢ / ٦١٧ ؛ أو الكشاف ، ٢ / ١٦٣.
(١١) تحقق ، ب س : تحقيق ، م.
(١٢) لضرب ، ب : ولضرب ، س ، أضرب ، م.
(١٣) بتقدير مقولا فيها ، م : ـ ب س.
(١٤) شاذا ، س م : شاذ ، ب.
(١٥) عقاب ، م : العقاب ، ب س.
(١٦) وذلك ، ب م : وهذا ، س.
(١٧) التفسير حسن ، س : التفسير أحسن ، م ، ـ ب.