المعنى إلى قوله لا تتعرضوا (١) إلى آخره فيكون من قبيل (لا يَحْطِمَنَّكُمْ)(٢) في أن النهي لسليمان لفظا وللنمل معنى (٣)(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [٢٥] لمن تعرض للظلم.
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦))
ثم ذكر لأصحاب النبي عليهالسلام نعمة التي أنعمها عليهم بقوله (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) خطاب للمهاجرين ، أي وقت كونكم ضعفاء بقلة العدد (مُسْتَضْعَفُونَ) أي مقهورين (فِي الْأَرْضِ) أي أرض مكة قبل الهجرة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي يستلبكم (٤) الكفار بسرعة من العرب والعجم حولكم ، لأنهم كانوا أعداءكم بسبب إيمانكم (فَآواكُمْ) أي فنزلكم بالمدينة (٥)(وَأَيَّدَكُمْ) أي وقواكم (بِنَصْرِهِ) أي بأن نصركم بالملائكة والأنصار يوم بدر بعد الهجرة فارتفع ضعفكم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من الغنائم التي لم تحل لأحد قبلكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [٢٦] أي لكي تعرفوا ذلك منه وتطيعوه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) نزل فيمن كان يفشي الحديث الذي يسمع من النبي عليهالسلام حتى يبلغ الكفار بمكة نهيا عن ذلك (٦) ، وقيل : نزل في شأن أبي لبانة حين حاصر النبي عليهالسلام قريظة ، وشاوروه في النزول على حكم سعد ، وأشار بيده إلى حلق نفسه أن حكمه الذبح فلا تنزلوا لكون ماله وأولاده معهم (٧) ، أي لا تفعلوا الخيانة في أمر الله ورسوله ، وأصل الخوف النقصان ، أي لا تنقصوا ما ائتمنتم عليه بالإفشاء والإظهار للأعداء (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) جزم بالعطف على النهي قبله أو نصب بواو الصرف بعد النهي ، أي احفظوا عهد الله ورسوله بالوفاء لهما وفي الأمانات بينكم (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [٢٧] أي أن الخيانة قبيحة في كل شيء ، وهي أن يؤتمن الرجل على شيء من غيره ، فلا يؤديه إليه وقد يسمى العاصي خائنا ، لأنه قد ائتمن على دينه فنقصه (٨).
(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨))
ثم نصحهم بقوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي محنة وبلاء من الله ليبلوكم كيف تحفظون فيهم حدود الله ، فعليكم أن تزهدوا إليه في الدنيا ولا تحرصوا على جمع المال وحب الولد حتى تهلكوا أنفسكم (وَ) اعلموا أيضا (أَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [٢٨] لمن صبر ولم يخن ، وهو الجنة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله (إِنْ تَتَّقُوا) أي تطيعوا (اللهَ) بالخشية من عقابه ولا تعصوه (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) أي أمرا يفرق بين الحق والباطل بنصركم في الدين على أهل الكفر لإعزازكم وإذلالكم في الدنيا والآخرة (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي ويمح كبائركم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم ، أي ويستر عليكم عيوبكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [٢٩] أي ذو التجاوز (٩) عن سيئات عباده.
__________________
(١) لا تتعرضوا ، ب س : لا يتعرضوا ، م.
(٢) النمل (٢٧) ، ١٨.
(٣) معنى ، ب : معنى ويجوز أن يكون صفة ل «فتنة» حال كونها نهيا على تقدير فتنة مقولا فيها ، س م.
(٤) يستلبكم ، ب م : يسلبكم ، س.
(٥) بالمدينة ، ب س : في المدينة ، م.
(٦) عن السدي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦١٩.
(٧) عن الزهري والكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٦١٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٤ ؛ والواحدي ، ١٩٧ ـ ١٩٨.
(٨) فنقصه ، ب م : فنقضه ، س.
(٩) أي ذو التجاوز ، م : أي المتجاوز ، س ، أي التجاوز ، ب.