(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠))
قوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم أكابر قريش مجتمعين في دار الندوة مشاورين في الفتك بالنبي (١) عليهالسلام في مضجعه.
وذلك بعد إسلام الأنصار حول المدينة وتمثل لهم إبليس عليه اللعنة في مشاورتهم بصورة شيخ نجدي ، فقال بعضهم : خذوه واحبسوه في بيت ، وسدوا عليه مع طعامه وشرابه حتى يهلك ، فقال اللعين : بئس الرأي ذلك ، فانه يأتيكم (٢) من يخلصه من البيت ، وقال بعضهم أخرجوه من بين أظهرهم وغربوه فلا يضركم ما صنع ، فقال اللعين : بئس الرأي ذلكم يذهب إلى قوم فيستميل قلوبهم فيأتي بهم ويخرجونكم (٣) من بلادكم ، وقال أبو جهل : خذوا من كل بطن شابا بسيف صارم فيضربوه ضربة رجل واحد حتى يقتل فنستريح من يده ، فقال اللعين : ذلكم الرأي ، فتفرقوا على ذلك الرأي ليأتوه ليلا ، فأخبر جبرائيل عليهالسلام بذلك ، وأمره أن لا يبيت في مضجعه فأمر النبي عليهالسلام عليا أن يبيت مكانه وأمره أن يلبس بردائه ليأمن ببركته ، ثم خرج النبي عليهالسلام ومعه أبو بكر إلى الغار ، ونام على مكانه ، فلما أصبحوا دخلوا البيت ، فاذا هو علي ، فسألوه عنه ، فقال : لا أدري ، فطلبوه فلم يجدوه (٤).
فأخبر تعالى عن ذلك ، أي واذكر وقت مكر الكافرين بك (لِيُثْبِتُوكَ) أي ليحبسوك في البيت بالوثاق (أَوْ يَقْتُلُوكَ) بالسيف (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة (وَيَمْكُرُونَ) أي وهم يمكرون بك الشر (وَيَمْكُرُ اللهُ) أي ويجازيكم جزاء مكرهم حين أخرجهم إلى بدر ، فقتل بعضهم فيه وأسر بعضهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [٣٠] لأن مكره أنفذ من غيره وأبلغ تأثيرا أو لأن مكره حق وعدل لا يصيب أحدا إلا بما هو يستوجبه.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١))
قوله (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) قولك هذا يا محمد (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) أي مثل القرآن (إِنْ هذا) أي ما القرآن (٥)(إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٣١] أي أكاذيب المتقدمين.
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢))
نزل كان النبي عليهالسلام يقرأ القرآن ويذكر أخبار الأمم الماضية ، فقال النضر بن الحارث : لو أشاء لقلت مثل الذي جاء به محمد ، فقال له عثمان بن مظعون : اتق الله يا نضر ، فانه ما يقول إلا حقا (٦)(وَإِذْ قالُوا) أي اذكر وقت (٧) قول (٨) النضر ومن مثله من الكفار (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) أي ما يقوله محمد (هُوَ الْحَقَّ) بنصبه ب (كانَ) وبرفعه (٩) خبر هو والجملة خبر (كانَ) ، أي إن كان القرآن (مِنْ عِنْدِكَ) لا من رأيه (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) كأصحاب الفيل ، قيل : فائدة قوله (مِنَ السَّماءِ) و «الأمطار» لا يكون إلا منها أنه أراد حجارة من سجيل ، فوضع (مِنَ السَّماءِ) موضع من سجيل ليكون إشارة إلى عذاب أصحاب الفيل (١٠) ، قيل : «يقال في الرحمة مطر ، وفي النقمة أمطر» (١١) ، ثم قال (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [٣٢] فاستجيب دعاؤه على نفسه ، فقتله النبي
__________________
(١) في الفتك بالنبي ، ب م : في قتل النبي ، س.
(٢) فانه يأتيكم ، س : يأتيكم ، ب م.
(٣) ويخرجونكم ، ب م : ويخرجوكم ، س.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٥ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٦٤.
(٥) أي ما القرآن ، ب س : ـ م.
(٦) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٢٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٦ (عن السدي) ؛ والواحدي ، ١٩٨.
(٧) اذكر وقت ، ب س : ـ م.
(٨) قول ، ب س : قال ، م.
(٩) هذه القراءة مأجوذة عن الكشاف ، ٢ / ١٦٥.
(١٠) نقله المفسر عن الكشاف ، ٢ / ١٦٥.
(١١) عن أبي عبيدة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٦.