عليهالسلام يوم بدر صبرا ، قيل : سأل معاوية لرجل من سبأ ما أجهل قومك بتمليكهم امرأة عليهم ، فقال الرجل : أجهل منهم قومك حين قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا (١) فاهدنا به (٢).
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))
قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ) يا محمد (فِيهِمْ) أي بين ظهراني قريش حتى يخرجك عنهم كما أخرج الأنبياء قبلك عن قومهم ثم عذبهم ، لأن العذاب إذا نزل عم ، فأمروا بالخروج مع المؤمنين منهم ، نزل حين أسر النضر المقداد ، فجاء به الرسول عليهالسلام ، فقال أسيري فقال عليهالسلام هو الذي كان يقول في شأن الله ورسوله ما يقول قال يا رسول الله أسيري فقال عليهالسلام : اللهم أغن المقداد من فضلك ، فقال هو الذي أردت منك (٣) ، فأخبر تعالى بذلك أنه لا يعذبهم وأنت فيهم وهم أخرجوك من بين ظهرانيهم ، ثم قال تعالى (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ) أي الكافرون (يَسْتَغْفِرُونَ) [٣٣] من الكفر فيؤمنون أو لا يعذب الكافرين والمؤمنون مستغفرون فيهم ، لأن النبي عليهالسلام لما خرج بقي بقية من المؤمنين بمكة مستغفرين فأمنوا من العذاب بسببهم.
(وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤))
ثم رجع إلى ذكر حال المشركين فقال (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) أي أي شيء لهم من انتفاء عذاب الله عنهم ، يعني لا حظ لهم فيه وهم معذبون البتة ، وكيف لا يعذبون (وَهُمْ يَصُدُّونَ) أي وحالهم أنهم يمنعون المؤمنين (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي عن الطواف به كما صدوا رسول الله عليهالسلام عام الحديبية والمسلمين معه لقولهم نحن أولياء البيت فنترك للطواف به من نشاء ونصد من نشاء ، فقال تعالى (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي ولاة أمر البيت وأربابه ، لأنهم أعداء الدين القيم ، فلم يستحقوا ولايته بعداوته (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) أي ما أربابه (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي الموحدون الأبرار المطيعون بالتقوى من المسلمين ، يعني لا يصلح كل مسلم أيضا أن يلي أمره ، فكيف يصلح له الكفرة عبدة الأوثان (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٣٤] ذلك ويطلبون الرياسة بالجهالة أو يعلمون ويعاندون في طلبها لا بمقتضى العلم.
(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥))
ثم قال توبيخا لهم (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) أي بيت الله (إِلَّا مُكاءً) بالنصب خبر «كان» ، أي صفيرا وهو بأن يشبك الرجل أصابعه فينفخ فيها (وَتَصْدِيَةً) أي تصفيقا وهو ضرب إحدى اليدين بالأخرى ، وهو من قبيل قولهم إكرامه لي الضرب والشتم ، وكانوا يفعلون ذلك في طوافهم البيت عراة رجالهم ونساؤهم مختلطون ، وهم قد أمروا بالصلوة في المسجد مع تعظيمه ، فجعلوا المكاء والتصدية صلاتهم فيه ، وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول الله عليه وسلم في صلوته يخلطون عليه (فَذُوقُوا الْعَذابَ) أي فقلنا لهم ذوقوا عذاب القتل والأسر يوم بدر (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [٣٥] أي بسبب كفركم وإقدامكم على أعمال الكفرة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) نزل في المطعمين من المشركين الذين خرجوا لحرب رسول الله
__________________
(١) ولم يقولوا ، س : ولم يقل ، ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٦٥.
(٢) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٦٥.
(٣) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ١٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦٢٥.