(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمركم من القتال وغيره (وَلا تَنازَعُوا) في أمر القتال بينكم (فَتَفْشَلُوا) أي تجبنوا من عدوكم (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي دولتكم بالغلبة ونصرتكم كما وقع ذلك يوم أحد ، نصب الفعلين على أنه جواب النهي ، يعني لا تختلفوا عند لقاء عدوكم (وَاصْبِرُوا) على القتال لوجه الله (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [٤٦] بالنصرة والعون.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧))
ثم أكد ذلك بقوله (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) لأجل القتال بالرياء والسمعة ، وهم كفار مكة الذين خرجوا منها (بَطَراً) أي فرحا بطغيانهم في النعمة ، وهو مصدر في موضع الحال أو مفعول له ، وعطف عليه قوله (وَرِئاءَ النَّاسِ) أي لأن يروا الناس مسيرتهم ويسمعوهم إياهم فنهاهم الله أن يكون مثل أولئك مرائين (١) بطرين فرحين بأعمالهم ، بل أمرهم أن يكونوا من أهل التقوى والتحزن من خشية الله مخلصين أعمالهم لله ، وعطف على معنى المصدر (وَيَصُدُّونَ) أي يصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دينه الحق وهو الإسلام (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [٤٧] أي عالم بجميع أعمالهم ، قرئ بالياء غيبة.
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨))
ثم أكد كون خروجهم لا لوجه الله بقوله (وَ) اذكر (إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ) أي لكفار مكة (٢)(الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) بأن جسرهم على قتال المسلمين ، قيل : جاء إبليس على صورة سراقة بن مالك شريف كنانة ، فقال : حين وجدوا العير وأرادوا الرجوع إلى مكة ، لا ترجعوا حتى تستأصلوهم فانكم كثير وعدوكم قليل (٣)(وَقالَ) أي الشيطان للمشركين (لا غالِبَ) كائن (لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) لقوتكم وكثرتكم (وَإِنِّي جارٌ) أي معين (لَكُمُ) من كنانة وهؤلاء بنوا كنانة تأتيكم على أثري (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) أي الطائفتان المؤمنة والكافرة ورأى أبليس الملائكة مع المؤمنين (نَكَصَ) أي رجع (عَلى عَقِبَيْهِ) هاربا وراءه ، فقال له الحارث بن هشام : أين ما ضمنت لنا؟ فضرب في صدره (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) ومن جواركم (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) قيل : رأى الملائكة وجبرائيل معتجرا بردائه يقود فرس النبي عليهالسلام (٤) ، وأبدل من «إني أرى» (إِنِّي أَخافُ اللهَ) أن يهلكني (٥) ويعاقبني (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) [٤٨] قال ابن عباس : «خاف إبليس أن يأخذه جبرائيل أسيرا فيعرفه الناس فلا يطيعوه بعد ذلك» (٦) ، لأنه لم يخف على نفسه بناء على الإنظار الذي طلبه من الله إلى نفخ الصور ، فلما تولى إبليس قال الكفار هزم الناس سراقة فبعد رجوعهم إلى مكة وجد سراقة ، وسألوه عن ذلك وقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم ، فحلفوه عليه فحلف أنه لم يحضر هنا لك ، فلما أسلم القوم علموا أنه كان إبليس.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))
قوله (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) نزل في عبد الله بن أبي وأصحابه (٧) الذين لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين (٨) ، أي اذكر وقت قول المنافقين بالمدينة (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الواو فيه للعطف التفسيري (٩) ، أي
__________________
(١) مثل أولئك مرائين ، ب : مثلهم مرائين ، م ، مثل أولئك المرائين ، س.
(٢) أي لكفار مكة ، ب س : ـ م.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢١.
(٤) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٢١.
(٥) أن يهلكني ، ب م : أي أخاف أن يهلكني ، س.
(٦) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٦٤٠ ـ ٦٤١ (عن الكلبي).
(٧) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١.
(٨) عن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢١.
(٩) التفسيري ، ب س : التفسير ، م.