هم الذين في صدورهم ريب ، وقيل : هم المشركون (١) من أهل مكة ، لأن فيهم مرض الشرك (غَرَّ هؤُلاءِ) يعنون بالمؤمنين (دِينُهُمْ) إذ هم توهموا أن نصرتهم بسبب دينهم ، ثم قال تعالى جوابا لهم (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي ومن يثق بالله دون غيره (فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) بالنقمة (حَكِيمٌ) [٤٩] بالهزيمة على المشركين وفضاحة المنافقين.
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠))
(وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ يَتَوَفَّى) بالياء ، أي يقبض الله (الَّذِينَ كَفَرُوا) في قتال بدر و (الْمَلائِكَةُ) مبتدأ ، خبره (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) أي أستاههم بالسياط عند الموت أو المراد ب (وُجُوهَهُمْ) و (أَدْبارَهُمْ) ما أقبل منهم وما أدبر ، فان الملائكة كانوا يضربون وجوههم بالسيف إذا أقبلوا وإذا أدبروا يضربون أدبارهم بالسيف أيضا ، وقرئ «تتوفى» بتائين (٢) وفاعله (الْمَلائِكَةُ) و «يَضْرِبُونَ» حال من و «هم» ، فالمراد من التوفى على هذه القراءة الموت ، وعلى الأولى القتل ، قيل : يضربهم الملائكة بمقامع من حديد كلما ضربوهم بها تلتهب عليهم نار (٣)(وَ) يقولون لهم (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) [٥٠] بشارة لهم بعذاب الآخرة ، لأنه مقدمة لعذاب النار فيها ، وجواب «لو» محذوف ، أي لو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما ، يعني منكرا فظيعا.
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١))
(ذلِكَ) أي العذاب النازل بكم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أي بسبب عملكم القبيح من الكفر والتكذيب وترككم الإيمان وهو يحتمل أن يكون من كلام الملائكة ، وهو الظاهر وأن يكون من كلام الله ، وعطف عليه قوله (وَأَنَّ اللهَ) أي وبأنه تعالى (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [٥١] ليعذبهم بغير ذنب والتكثير في الظلام لأجل تكثير العبيد.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢))
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون (٤) ، أي عادتكم يا كفار مكة كعادة قوم فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وكعادة الذين قبل آل فرعون من الأمم المتقدمة ، ثم فسر دأبهم بقوله (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي بالبينات التي جاءتهم رسلهم بها من الأمر والنهي وخبر العذاب (٥) فلم يؤمنوا بها (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي عاقبهم (بِذُنُوبِهِمْ) أي بكفرهم ومعاصيهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ) في أخذه بالقدرة والمشية (شَدِيدُ الْعِقابِ) [٥٢] لمن أعرض عن الإيمان به وعصاه.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣))
(ذلِكَ) أي العذاب الذي نزل بهم مسبب (٦)(بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) كما أن الله أنعم أهل مكة بمحمد والقرآن ، وكفروا به وبالقرآن ، فنقلهما إلى الأنصار بالمدينة ، وقيل : «أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف فلم يشكروا الله لذلك فجعل لهم الخوف مكان الأمن والجوع مكان الرخاء» (٧) ، قيل : «ما عذب الله قوما ولا سلبهم النعم حتى كذبوا رسلهم ، فاذا فعلوا ذلك سلبهم العز وألزمهم الذل والمسكنة» (٨)(وَأَنَّ اللهَ) أي وبأنه تعالى (سَمِيعٌ) بمقالتهم (عَلِيمٌ) [٥٣] بأعمالهم.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ
__________________
(١) وقد أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ١٧٢.
(٢) «يتوفى» : قرأ الشامي بالتاء الفوقية مكان الياء ، والباقون بالياء. البدور الزاهرة ، ١٣٢.
(٣) نقله المصنف عن البغوي ، ٢ / ٦٤٢ ؛ أو الكشاف ، ٢ / ١٧٢.
(٤) خبر مبتدأ محذوف أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ، ب : ـ س م.
(٥) بها من الأمر والنهي وخبر العذاب ، ب م : من الأمر والنهي ، س.
(٦) مسبب ، ب س : ـ م.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٢.
(٨) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٢.