(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي جمع بين قلوب القبيلتين بالتليين ورفع القساوة والعداوة التي كانت بينهما في الجاهلية منها فاتلفت بسبب محبتك والإيمان بك (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الأموال (ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) أي لما قدرت أن تألف بين قلوبهما وتجمعها على اتفاق كلمتهم (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ) أي جمع (بَيْنَهُمْ) بالإيمان ، لأنه مالك القلوب يقلبها كيف يشاء (إِنَّهُ عَزِيزٌ) بالانتقام من الأعداء (حَكِيمٌ) [٦٣] بالائتلاف بينهم وإماطة التباغض عنهم وإحداث التحاب فيهم ، قيل : «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» (١).
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤))
قوله (٢)(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٦٤] نزل في بيداء في غزوة بدر قبل الحرب (٣) ، وعن سعيد بن جبير : أنه أسلم ومع النبي عليهالسلام ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر فنزلت الآية (٤) ، وقيل : نزلت في إسلام عمر حين كمل إسلامه أربعين رجلا من المسلمين وظهر الإسلام بمكة باسلامه (٥) ، فالسورة مدنية إلا هذه الآية ، أي كافيك الله ناصرا ، فالجملة مبتدأ وخبر ، والواو في (وَمَنِ) بمعنى «مع» ، فيكون (مَنِ) مع ما بعده في محل النصب على أنه مفعول معه ، نحو حسبك وزيدا درهم ، ومعناه كفاك الله وكفى اتباعك ناصرا ، ويجوز أن يكون (مَنِ) في محل الرفع عطفا على (اللهُ) ، أي كافيك الله والمؤمنون أيضا أو يكون مبتدأ محذوف الخبر بمعنى ومن اتبعك حسبهم الله.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦))
ثم قال حثا لهم على الثبات في القتال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) أبلغ تحريض (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ) عليه محتسبين في الجهاد (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) بنصر الله (وَإِنْ يَكُنْ) بالياء والتاء (٦)(مِنْكُمْ مِائَةٌ) صابرة كذلك (٧)(يَغْلِبُوا أَلْفاً) باذن الله (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أن الكافرين (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [٦٥] الله ودينه فيقاتلون بالجهل لا على احتساب وطلب ثواب كالبهائم ، فيقل ثباتهم فلا يقاومون المقاتلين في سبيل الله بالبصيرة ، قيل : الشرط في الآية لفظا في معنى الأمر (٨) ، يعني ليقاتل العشرون منكم مائتين منهم ، والمائة ألفا فلا يثبت الكفار لكم إن ثبتم أنتم ، قيل : «معناه أن لا يفر الواحد من العشرين ولا المائة من الألف» (٩) ، ووقع ذلك يوم بدر ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جهز حمزة في ثلاثين راكبا ، فلقي أبا جهل في ثلثمائة راكب ، ثم شق نزول الآية عليهم لرفعهم الأصوات بالدعاء وضجيجهم يوم بدر ، فاستثقلوا ذلك فنزل قوله (١٠)(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) فنسخ ما قبله من التشديد بعد قتال بدر (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) بضم الضاد وفتحها (١١) ، وهو ضعف البدن ، وقيل : هو القلة في العدد والعدد (١٢)(فَإِنْ يَكُنْ) بالياء والتاء (١٣)(مِنْكُمْ مِائَةٌ
__________________
(١) عن عبد الله ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٥.
(٢) قوله ، ب س : ـ م.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ١٧٥.
(٤) انظر الكشاف ، ٢ / ١٧٥.
(٥) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥.
(٦) «وإن يكن» : قرأ المدنيان والمكي والشامي بتاء التأنيث ، والباقون بياء التذكير. البدور الزاهرة ، ١٣٢.
(٧) (وَإِنْ يَكُنْ) بالياء والتاء (مِنْكُمْ مِائَةٌ) صابرة كذلك ، م : (وَإِنْ يَكُنْ) بالياء والتاء (مِنْكُمْ) مائة كذلك ، ب ، (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ) بالياء والتاء (مِائَةٌ) كذلك ، س.
(٨) نقله المفسر عن البيضاوي ، ١ / ٣٩٠.
(٩) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٥.
(١٠) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ٢٥.
(١١) «ضعفا» : قرأ عاصم وحمزة وخلف بفتح الضاد ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٣٢.
(١٢) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ٢ / ١٧٥ ؛ وانظر أيضا البيضاوي ، ١ / ٣٩٠.
(١٣) «فان يكن» : قرأ الكوفيون بياء التذكير والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١٣٣.