صابِرَةٌ) محتسبة (يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فنقص النصرة على قدر ما نقص من العدد (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ) صابرة محتسبة (يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) أي بإرادته (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [٦٦] بالنصرة ففرض على المسلمين أن لا يفر واحد من اثنين ولا المائة من المائتين ، قال ابن عباس : «من فر من رجلين فقد فر ومن فر من ثلاثة لم يفر» (١) ، قيل : من لم يكن معه سلاح وفي خصمه سلاح جاز له أن يفر منه لأنه ليس بمقاتل (٢).
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧))
(ما كانَ لِنَبِيٍّ) أي ما صح (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) بالتاء لتأنيث الجماعة وبالياء لتذكير الجمع (٣) ، نزل حين أسر المسلمون سبعين رجلا من المشركين يوم بدر ، وأتوه للنبي عليهالسلام ، وقال أصحابه له خذ منهم فدية يقوي بها أصحابك ، فنهى الله عن ذلك ، فلما كثر المسلمون نزل (٤)(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(٥) ، يعني ما استقام للرسول عليهالسلام أن يقبل الفدية عن الأسارى ولكن السيف (حَتَّى يُثْخِنَ) أي يبالغ في قتلهم (فِي الْأَرْضِ) ليعز الإسلام ويقويه ويذل الكفر ويضعفه (تُرِيدُونَ) أي أتقصدون أيها المسلمون (عَرَضَ الدُّنْيا) أي حطامها بأخذكم الفداء من الأسارى وسمي حطامها عرضا لحدوثه وقلة لبثه (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي ثوابها لكم بالإثخان في القتل (وَاللهُ عَزِيزٌ) في ملكه يغلب أولياءه على أعدائه ، ويمكنهم قتلا وأسرا (حَكِيمٌ) [٦٧] في أمره يؤخر أخذه الفاداء إلى أن يكثروا بهم يعجلون ، فلما نزل آية المن والفداء خيروا بين استعباد الكفار وعتقهم وفدائهم وقتلهم.
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))
قوله (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) نزل حين أسرع المسلمون إلى الغنائم يوم بدر ، وكانت قبل ذلك لا تحل لأحد ، بل كان ينزل من السماء نار فتأكلها (٦) ، أي لو لا أن الله أحل الغنائم لهذه الأمة في اللوح المحفوظ (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) أي لأصابكم في أخذكم الفداء منهم (عَذابٌ عَظِيمٌ) [٦٨] قال النبي عليهالسلام : «لو نزل من السماء عذاب ما نجا أحد غير عمر» (٧) ، لأنه لم يترك القتال حين قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : ما ترون في هؤلاء الأسارى فقالوا : هم بنو العم والعشيرة ، نرى لهم أن نأخذ منهم الفدية ، فتكون لنا عدة على الكفار ، وقال عمر : أرى أن نضرب عنقهم ، فهم رسول الله أن يأخذ الفدية ، فهددهم الله تعالى بنزول ذلك ، فأمسكوا عن الغنائم (٨) ، ثم أحلها لهم بقوله (فَكُلُوا) الفاء للتسبيب ، والسبب محذوف ، أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا (مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) أي أكلا حلالا مستلذا أو هو نصب على الحال من المفعول المحذوف المغنوم (٩)(وَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه فيما أمركم به ولا تعصوه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) أي متجاوز عما صدر منكم من أخذ الغنيمة قبل حلها (رَحِيمٌ) [٦٩] بكم إذا أحلها لكم أو بتوبته عليكم.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠))
قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ) أي للذين في ملككم وقبضكم وأخذتم منهم الفداء (مِنَ الْأَسْرى) بيان
__________________
(١) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) قد أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ٢٦.
(٣) «أسرى» : قرأ أبو جعفر بضم الهمزة وفتح السين وألف بعدها ، والباقون بفتح الهمزة وإسكان السين من غير ألف. البدور الزاهرة ، ١٣٣.
(٤) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٥٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ١٧٦.
(٥) محمد (٤٧) ، ٤.
(٦) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٥٣.
(٧) انظر السمرقندي ، ٢ / ٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٥٤.
(٨) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٢٦.
(٩) المحذوف المغنوم ، ب س : ـ م.