(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢))
ثم قال للنبي عليهالسلام في شأن المنافقين (لَوْ كانَ) أي الذي (١) تدعوهم إليه لعلة الجهاد (عَرَضاً قَرِيباً) أي غنيمة سهل المنال ، والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا (وَسَفَراً قاصِداً) أي وسطا سهلا (لَاتَّبَعُوكَ) ولم يتخلفوا عنك (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) بضم الشين ، أي المسافة الشاقة التي يقصدونها في السفر (وَسَيَحْلِفُونَ) أي المتخلفون بالقعود عن الجهاد (بِاللهِ) يقولون (لَوِ اسْتَطَعْنا) أي لو قدرنا بسعة المال والزاد (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) وهو ساد مسد جواب القسم ، ولو (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) أي بحلفهم الكاذب ، حال من فاعل «سَيَحْلِفُونَ» (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [٤٢] في حلفهم ، لأن لهم سعة للخروج ، ولكنهم لم يريدوه.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣))
قوله (عَفَا اللهُ عَنْكَ) نزل حين استأذن بعض من المنافقين رسول الله أن يتخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك ولم يكن لهم عذر ، فأذن لهم به (٢) ، فقال تعالى مقدما العفو على العتاب (٣) تطييبا لقلبه عليهالسلام محا الله عن ذنوبك أو أدام لك العفو يا سليم القلب (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) بالتخلف هلا أخرتهم (حَتَّى يَتَبَيَّنَ) أي يظهر (لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في عذرهم وحلفهم (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) [٤٣] فيهما ، ف (حَتَّى) متعلق بالمحذوف وهو أخرتهم ، ولا يجوز تعلقه ب (أَذِنْتَ) ، لأنه يلزم أن يكون اذن لهم إلى غاية التبين والعلم وهو فاسد ، وإنما عاتبه مع اعتذارهم إليه عليهالسلام ، لأنه كان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم فقصروا في ذلك وعجل بالقبول.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤))
ثم بين له علامة الصادقين منهم والكاذبين بقوله (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) في السر والعلانية في (أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) لأجل (٤) التخلف عنك (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) [٤٤] أي بالمؤمنين المطيعين فيجازيهم بأجزل الثواب.
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥))
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) سرا دون العلانية (وَارْتابَتْ) أي شكت (قُلُوبُهُمْ) في إيمانهم (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ) أي في شكهم ونفاقهم (يَتَرَدَّدُونَ) [٤٥] أي يتحيرون ، يعني الاستئذان للتخلف عن الجهاد صنعة المنافقين وعادتهم.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) إلى الجهاد معك (لَأَعَدُّوا لَهُ) أي لهيئوا للجهاد (عُدَّةً) أي قوة من السلاح والزاد والكراع لأنفسهم ، فتركهم العدة دليل على إرادتهم التخلف المؤذن بالنفاق ، قوله (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) عطف على مقدر ، وهو ما خرجوا بارادتهم في الحقيقة ولكن كره الله خروجهم لسوء نيتهم وخبث نفوسهم (فَثَبَّطَهُمْ) أي كسلهم ومنعهم عن الخروج لكون خروجهم مفسدة (وَقِيلَ) أي قال لهم الشيطان بوسوسته أو القول إذن الرسول عليهالسلام أو إلقاء الله في قلوبهم ذلك أو قال بعضهم لبعض (اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) [٤٦] أي النساء والمرضى (٥) والأطفال ، وهو ذم لهم وتعجيز عن عمل الرجال وإلحاق بالنساء والضعفاء أو للجبن (٦).
__________________
(١) أي الذي ، ب س : الذين ، م.
(٢) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٢ / ٥٣.
(٣) العتاب ، ب م : العقاب ، س.
(٤) لأجل ، ب م : إلى أجل ، س.
(٥) المرضى ، ب س : المريض ، م.
(٦) أو للجبن ، م : للجبن ، ب س.