(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧))
قوله (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ) أي معكم إلى الجهاد (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) أي فسادا ، إخبار عن المنافقين بأنهم لا ينفعونكم على تقدير خروجهم معكم ، بل يضرونكم بافساد ذات البين وإيقاع الجبن بين المسلمين بتهويل الأمر (وَلَأَوْضَعُوا) أي ولأسرعوا (خِلالَكُمْ) أي بينكم ، نصب على الظرف ، يعني لسعوا بالنمائم مسرعين بينكم (يَبْغُونَكُمُ) أي يلتمسون لكم (الْفِتْنَةَ) أي ما يفتنكم من الشر ، يعني يطلبون هزيمتكم ووقوعكم في الشر ، ومحل الجملة حال من ضمير «أوضعوا» (١)(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي وفي عسكركم جواسيس للمنافقين ، يسمعون كلامكم ويقبلون منهم ويطيعونهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [٤٧] أنفسهم بالنفاق ، فيجازيهم بظلمهم.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨))
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) أي طلبوا العنت وإظهار الشرك والسعي في تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك كما فعل عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف بأتباعه عنك (مِنْ قَبْلُ) أي قبل غزوة تبوك (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) أي الحيل ، يعني دوروا الآراء في إبطال أمرك ودبروا لإهلاكك الحيل من كل وجه (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ) أي نصر الله وتأييده لك وكثر المسلمون (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) أي علا دينه الحق وغلب وهو الإسلام (وَهُمْ كارِهُونَ) [٤٨] ذلك.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩))
قوله (وَمِنْهُمْ) أي ومن المنافقين (مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) في القعود (وَلا تَفْتِنِّي) أي لا توقعني في الفتنة بعدم إذنك لي في القعود ، نزل في شأن الجد بن قيس حين حثه النبي عليهالسلام على الخروج إلى الغزو وببنات الأصفر ، وكان الأصفر رجلا من اليمن ملك ناحية من الروم ، فتزوج رومية فولدت له بنات اجتمع فيهن سواد الحبش وبياض الروم وكن فتنة ، فقال الجد قد علمت الأنصار إني حريص على النساء فأخشى أن لا أصبر عنهن وأضع يدي على الحرام ، فلا تفتني بهن ولكني أعينك بمال فاتركني (٢) ، فأذن له بالقعود (٣) فقال تعالى (أَلا فِي الْفِتْنَةِ) أي اعلموا أنهم في الاثم والنفاق (سَقَطُوا) أي وقعوا بالتخلف (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ) أي إنها لتحيط (بِالْكافِرِينَ) [٤٩] يوم القيامة ، وهم الجد بن قيس ومن تابعه في التخلف لكون أسباب الإحاطة معهم لا تنفك منهم.
(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))
ثم بين حالهم التي هي أثر النفاق بقوله (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) أي غنيمة ونصرة بعد تخلفهم (تَسُؤْهُمْ) أي تحزنهم تلك الحسنة (وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) في بعض الغزوات ، أي شدة وهزيمة (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) الذي نحن فيه من الحذر بالتيقظ والعمل بالجزم (مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذه المصيبة (وَيَتَوَلَّوْا) أي ويعرضوا عنك إلى أهاليهم بالتحدث بذلك (وَهُمْ فَرِحُونَ) [٥٠] بحالهم في الانحراف عنك أو بما أصابك من الشدة نحو ما جرى في أحد.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))
(قُلْ) يا محمد (لَنْ يُصِيبَنا) أي لن يصل إلينا (إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ) أي ما قدره وأوجبه في كتابه (لَنا) واختصنا بايجابه وإثباته من النصرة عليكم أو من الشهادة (هُوَ مَوْلانا) أي الله الذي يتولانا بالنصرة والحفظ وغير ذلك
__________________
(١) أوضعوا ، ب : لأوضعوا ، س م.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٥٤ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢٠٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ٦١.
(٣) بالقعود ، س : في القعود ، ب م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٥٤.