(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [٥١] أي ليثق عليه كل من آمن به لا على غيره ، فان ذلك حق المؤمنين فليفعلوا ما هو حقهم.
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢))
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ) أي ما تنتظرون أنتم (بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) أي العاقبتين الحميدتين ، وهما النصرة مع الغنيمة أو الشهادة مع المغفرة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) إحدى العاقبتين الذميمتين وهي (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) هو الصواعق والموت (أَوْ) بعذاب نزل عليكم (١)(بِأَيْدِينا) وهو قتلنا إياكم بكفركم (فَتَرَبَّصُوا) بنا ما ذكرنا من عواقبنا (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [٥٢] بعواقبكم ، فلا بد أن نلقي بذلك (٢) نحن وأنتم لا نتجاوز (٣) عنه.
(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣))
(قُلْ) يا محمد للجد بن قيس ومن مثله من المنافقين (أَنْفِقُوا) في سبيل الله ووجوه البر ، أمر جعل بمعنى الخبر والشرط لدلالة الكلام عليه مع إفادة معنى التسوية ، أي إن أنفقتم فيه (طَوْعاً) أي طائعين من غير إلزام من النبي عليهالسلام ولا من رغبة فيه (٤)(أَوْ كَرْهاً) أي مكرهين (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) نفقاتكم عند الله ، يعني لا ثواب لها في الآخرة ، ويجوز أن يراد بنفي التقبل رده عليهم (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) [٥٣] بتخلفكم عن الجهاد في سبيل الله.
(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤))
ثم بين سبب عدم قبولها بقوله (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ) بالياء والياء (٥) ، و (أَنْ) نصب بدل من «هم» في «مَنَعَهُمْ» (نَفَقاتُهُمْ) رفع ب (تُقْبَلَ) مجهولا ، أي ما منع قبول نفاقهم (٦)(إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا) في محل الرفع فاعل «منع» ، أي إلا كفرهم (بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) في السر وهو عالم به (وَلا يَأْتُونَ) أي لا يعلمون (الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) جمع كاسل ، من الكسل وهو التثاقل ، أي إلا متثاقلين لو اضطروا إلى إتيانها ، لأنهم لا يرونها فرضا عليهم (وَلا يُنْفِقُونَ) في الجهاد (إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) [٥٤] على النفقة فيه لعدم احتسابهم في الآخرة ، يعني أنهم لا يرجون ثوابا منها فيها.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥))
ثم زهد النبي عليهالسلام من الميل إلى دنياهم بقوله (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) أي لا تستحسن منهم كثرتهما فتميل إليهم بها ، وأصل الإعجاب السرور بالشيء مع الرضا به (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) أي بسبب الأموال والأولاد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وتعذيبهم فيها أمرهم أن يخرجوا (٧) الزكوة منها وأن ينفقوا علي كره في سبيل الله وأن يميت (٨) أولادهم بين أيديهم (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) أي تخرج (٩) أرواحهم (وَهُمْ كافِرُونَ) [٥٥] عند الموت فيعذبهم في الآخرة بالنار ، فالمراد الاستدراج بالنعم إلى أن يموتوا وهم كافرون غافلون بالتمتع عن النظر للعاقبة.
__________________
(١) بعذاب نزل عليكم ، ب م : نزول العذاب عليكم ، س.
(٢) بذلك ، س م : بذلكم ، ب.
(٣) نتجاوز ، س : يتجاوز ، ب م.
(٤) من رغبة فيه ، ب م : عن رغبة منه ، س.
(٥) «تقبل» : قرأ الأخوان وخلف بياء التذكير ، والباقون بتاء التأنيث. البدور الزاهرة ، ١٣٧.
(٦) أي ما منع قبول نفاقهم ، ب م : أي مانع قبول نفاقهم ، س.
(٧) أن يخرجوا ، ب س : أن تخرجوا ، م.
(٨) يميت ، ب م : يمت ، س.
(٩) تخرج ، س : يخرج ، ب م.