(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦))
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي على دينكم الإسلام في السر كما في العلانية (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي ليسوا على دينكم في السر وهم كاذبون في حلفهم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) [٥٦] من الفرق وهو الخوف ، أي يخافون القتل والسبي فيتظاهرون بالإسلام لذلك وأسروا النفاق.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) أي ما يلجأ إليه الرجل عند خوفه (أَوْ مَغاراتٍ) جمع مغارة ، وهي كالغار في الجبل ، وأصلها ما يغاب فيه (أَوْ مُدَّخَلاً) أي موضعا يدخلونه بضم الميم وتشديد الدال (١) ، أصله متدخلا مفتعل ، من الدخول وهو السرب في الأرض (لَوَلَّوْا) أي لانصرفوا وذهبوا عنك (إِلَيْهِ) وتركوا منفردا (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) [٥٧] أي يسرعون في المشي إليه لا يردهم شيء من قولهم هذا فرس جموح إذا لم يرده اللجام في عدوه.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨))
قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) بضم الميم وكسرها (٢) ، من لمز إذا عاب ، أي يعيبك ويطعن عليك (فِي الصَّدَقاتِ) نزل فيمن طعن النبي عليهالسلام في قسمة الصدقات والغنائم ، فقال : اعدل يا رسول الله وهو ابن ذي الخويصرة التيمي ، فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل ، فقال عمر : يا رسول الله أتأذن لي أن أضرب عنقه؟ ةفقال : دعه حتى لا يقال يقتل محمد أصحابه (٣)(فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي من الصدقات (رَضُوا) بالقسمة (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) لحكمة يعلمها الله ورسوله (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) [٥٨] أي فاجؤوا ، ف «إذا» للمفاجأة بمعنى فاء الجزاء ، والعامل فيها (يَسْخَطُونَ) ، والحكمة : أن رسول الله استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون منه فوصفهم الله بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين وما فيه صلاح أهله.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩))
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) من العطية والرزق (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي كافينا الله وعليه ثقتنا (سَيُؤْتِينَا اللهُ) أي سيعطينا (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه (وَرَسُولُهُ) من الغنيمة أكثر مما آتانا اليوم إذا كان عنده سعة (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) [٥٩] أي إلى رحمته راجون فيغنينا عن الصدقات ، وجواب «لو» محذوف وهو لكان خيرا لهم من الطعن عليك.
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))
ثم بين مصارف الصدقات بالاختصاص ليخرج اللامزين بالنبي عليهالسلام عن استحقاقها بقوله (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) وهم الذين لهم أدنى شيء (وَالْمَساكِينِ) وهم الذين لا شيء لهم منه ، وأبو حنيفة يعكس التفسير ، فيعطي الشافعي منها من ليس له كفاية سنة ، ويمنعها أبو حنيفة عمن يملك مائتي درهم (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) وهم الذين يجبون الصدقات من أهلها فيعطون على قدر عمالتهم وإن كانوا أغنياء لا على قدر حاجتهم ، وقيل : «لهم الثمن» (٤)(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم الذين تستألف قلوبهم لتقوى على الإيمان بالإعطاء منها ، وقيل : من يتقى شره من الكفار لقلة من المسلمين وكانوا رؤساء في كل قبيلة ، منهم أبو سفيان وأقرع بن
__________________
(١) «مدخلا» : قرأ يعقوب بفتح الميم وإسكان الدال ، والباقون بضم الميم وفتح الدال مشددة. البدور الزاهرة ، ١٣٧.
(٢) «يلمزك» : قرأ يعقوب بضم الميم ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٣٧.
(٣) عن أبي سعيد الخدري ، انظر الواحدي ، ٢١٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٦٥ ـ ٦٦.
(٤) عن الضحاك ومجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ٦٩.