حابس ، فيعطيهم الإمام ما يراه منها (١)(وَفِي الرِّقابِ) عطف على (لِلْفُقَراءِ) ، وإنما عدل عن اللام إلى (فِي) هنا إذانا بأن الأربعة الأخيرة أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، لأن (فِي) للظرفية ، أي وفي فكها من الكتابة أو من الأسر أو من الرق ، وهم المكاتبون (٢) أو الأسارى من الكفار أو المسلمون المأسورون في أيدي الكفار فتبتاع (٣) الرقاب من الصدقات فتعتق عند مالك (وَالْغارِمِينَ) وهم الذين عليهم ديون لغير فساد ولا وفاء عندهم فيعطون على قدر الوفاء بديونهم.
وقيل : هم الذين استدانوا في إصلاح ذات البين أو في عمل الخير أو للإنفاق على عيالهم من غير إسراف لعدم كفاية ما في أيديهم فيعطون ما يؤدون ذلك مع غناهم (٤)(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهم الذين خرجوا للجهاد فيعطون منها ما يستعان به في غزوهم من زاد وحمولة وسلاح مع غناهم (وَابْنِ السَّبِيلِ) والمراد منه جنس المسافرين سفرا مباحا فيعطون منها ما يقطع به سفرهم إن لم يكن معهم ذلك ، وإن كان لهم في البلد المنتقل إليه مال الغناء (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) نصب على الحال من الضمير في (لِلْفُقَراءِ) في موضع الخبر ، أي ثابتة لهم مفروضة ، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لفعل محذوف ، أي فرضت الصدقات فريضة لهذه الأصناف الثمانية لحكمة اقتضته في ذلك الزمان ، فالشافعي أوجب صرفها إلى الأصناف على السوية ، وإن انعدم صنف منها رد نصيبه على الموجودين ، وأقل ما يجزى عنده ثلاثة من كل صنف ، وقد أجاز أبو حنيفة صرفها إلى بعضها دون بعض ، ويجيز صرفها إلى فرد من صنف واحد (وَاللهُ عَلِيمٌ) يعلم من يستحقها ومن لا يستحقها (حَكِيمٌ) [٦٠] يحكم بقسمتها ويبين أهلها لحكمة علمها.
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١))
قوله (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ) نزل في جماعة من المنافقين كجلاس بن سويد وأبي ياسر بن قيس ومخشي بن خويلد ، كانوا يعيبون رسول الله عليهالسلام ، فقال رجل منهم : لا تفعلوا مثله عسى أن يبلغه الخبر فيضرهم ، فقال الجلاس : نقول ما نشاء ونأتيه ونحلف فانه يصدقنا ، لأنه أذن سامعة (٥) ، سمي الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة فيؤذونه (٦)(وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) بضمتين وبسكون الذال (٧) ، أي يسمع كل ما قيل له ويقبله فأمر الله تعالى نبيه بأن يقول (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ) بالإضافة ، أي هو أذن صلاح ونعمة (لَكُمْ) فلا يكشف سركم ولا يفضحكم ولا يكافيكم على سوء فعلكم كما يفعل بالمشركين أو هو مبالغ في الخير ، فيسمع قول الخير خاصة (يُؤْمِنُ بِاللهِ) أي يصدقه في مقالته بالإخلاص (٨)(وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي ويصدق المخلصين في مقالتهم بقبولها وتسليمها (٩) لهم ، ولا يصدق مقالتكم ولا يسمعها بالقبول منكم ، فالمراد من الإيمان الأول نقيض الكفر ولذا عدي بالباء ، ومن الثاني السماع والقبول ولذا عدي باللام كقوله (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(١٠) ، وهذا تعريض لهم (١١)(وَرَحْمَةٌ)
__________________
(١) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٦٩.
(٢) المكاتبون ، ب س : مكاتبون ، م.
(٣) فتبتاع ، ب س : فيبتاع ، م.
(٤) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٥٧ ؛ والبغوي ، ٣ / ٧٠.
(٥) سامعة ، ب س : سامعه ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٠٠.
(٦) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٥٨ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٢١٠ ؛ والبغوي ، ٣ / ٧٣.
(٧) «أذن» : قرأ نافع باسكان الذال ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٣٧.
(٨) بقبولها وتسليمها ، م : بقبولها وبتسليمها ، ب ، أي يسمعها ويسلمها ، س.
(٩) بالإخلاص ، ب س : بالإخلاص فلذا عدي الإيمان هنا بالباء ، م.
(١٠) يوسف (١٢) ، ١٧.
(١١) ولا يسمعها بالقبول ... تعريض لهم ، ب س : بتسليمها لكم ولذا عدي الإيمان هنا اللام فهو تعريض لهم ، م.