بالرفع عطف على (أُذُنٌ) وبالجر (١) عطف على (خَيْرٍ) ، أي هو أذن خير ورحمة (٢)(لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) في السر (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٦١] أي وجيع دائما (٣).
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢))
ثم أتوا رسول الله وحلفوا على صدق نيتهم ، فكذبهم الله تعالى بقوله (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) والخطاب للمسلمين ، أي أنهم يعتذرون إليكم بحلفهم لترضوا عنهم (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) والهاء للنبي عليهالسلام وحده ، وفيه حذف تخفيفا ، تقديره : فالله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه أو الهاء لله تعالى ، لأن رضاء الله رضاء نبيه عليهالسلام ، فلذا وحد الضمير ، وإنما لم يثن تعظيما لله تعالى.
روي : أن خطيبا قال في خطبته عند النبي عليهالسلام : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن عصاهما فقد غوى ، فقال عليهالسلام : «بئس الخطيب أنت» (٤) ، قوله (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) [٦٢] أي مصدقين بقلوبهم في السر ، شرط محذوف الجزاء بدلالة (أَحَقُّ) قبله ، أي فهو أحق أن يرضوه.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣))
قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا) نزل حين كانوا يستهزؤون الإسلام وأهله ويحذرون أن يفضحهم الله بالوحي فيهم تهديدا لهم (٥) ، أي ألم يعرفوا (أَنَّهُ) أي أن الشأن (مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يخالف أمر الله وأمر رسوله فيما بين لهم ، شرط ، جزاؤه (فَأَنَّ) بالفتح مع ما بعدها في محل الرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي فجزاؤه أن (لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها) حال مقدرة من ضمير «له» في معنى الجمع (ذلِكَ) أي عذابه في نار جهنم (الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) [٦٣] يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤))
(يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ) أي تخبر المؤمنين (بِما فِي قُلُوبِهِمْ) أي قلوب المنافقين ، يعني بما يضمرون من النفاق فيفتضحون ، وهم مع ذلك لا يخلفون عن الاستهزاء (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) بالقرآن والإسلام والمسلمين (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ) أي مظهر (ما تَحْذَرُونَ) [٦٤] من إظهار النفاق.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥))
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يا محمد ، أي المستهزئين بالقرآن وبك ما هذا الكلام الذي تتحدثون ، وذلك حين ساروا إلى غزوة تبوك مع النبي عليهالسلام ، وكانوا بين يديه يقولون : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه ، هيهات هيهات! فيضحكون ، فاطلع الله نبيه على ما قالوا ، فقال احبسوا الركب فجاءهم ، فقال : قلتم كذا وكذا ، قالوا : يا نبي الله ما كنا في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابك ولكنا كنا في شيء مما يخوض الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر ، فقال تعالى ولئن سألتهم من استهزائهم (لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) أي نتحدث ونقطع الطريق كراكبي السفر (قُلْ) يا محمد لهم (أَبِاللهِ وَآياتِهِ) أي القرآن (وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) [٦٥].
(لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦))
ثم اعتذروا عن فعلهم القبيح فقال تعالى (لا تَعْتَذِرُوا) أي لا تظهروا عذركم الكاذب فانه لا ينفعكم بعد ظهور سركم (قَدْ كَفَرْتُمْ) في السر (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) في العلانية ، فقيل : فيه دليل على أن الجد واللعب في إظهار
__________________
(١) «ورحمة» : قرأ حمزة بخفض التاء ، والباقون برفها. البدور الزاهرة ، ١٣٧.
(٢) رحمة ، ب م : ـ س.
(٣) دائما ، ب س : دائم ، م.
(٤) هذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ٥٨.
(٥) اختصره من الكشاف ، ٢ / ٢٠١.