كلمة الكفر سواء (١)(إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) بالتوبة وبترك الاستهزاء بالإخلاص (نُعَذِّبْ طائِفَةً) في الدنيا أو في الآخرة (بِأَنَّهُمْ كانُوا) أي بسبب كونهم (مُجْرِمِينَ) [٦٦] أي مستهزئين من غير توبة ، قرئ بالنون في الفعلين وكسر الدال ونصب «طائفة» مفعولا ، وبالياء في الأول والتاء في الثاني مجهولين ورفع «طائفة» (٢) لاسناد الفعل إليه.
(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧))
(الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) في الدين والنفاق لا في دين الإسلام بالإخلاص لتكذيبهم آيات الله ورسوله في السر وبحلفهم بالله كذبا أنهم لمنكم ، ثم بين آثار نفاقهم بقوله (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) أي بالمعصية والكفر (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) أي عن الطاعة والإيمان عكس شأن المخلصين (وَيَقْبِضُونَ) أي يمسكون (أَيْدِيَهُمْ) عن الإنفاق في سبيل الله (نَسُوا اللهَ) أي غفلوا عن ذكره وتركوا طاعته (فَنَسِيَهُمْ) الله من هدايته ورحمته ، فحرموا وخذلوا (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [٦٧] أي الخارجون عن أمره أصلا وفرعا.
(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨))
(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) من الرجال (وَالْمُنافِقاتِ) من النساء (وَالْكُفَّارَ) من الفريقين (نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) أي مقدرين الخلود في النار (هِيَ حَسْبُهُمْ) أي كافيتهم جزاء لكفرهم (وَلَعَنَهُمُ اللهُ) أي طردهم من رحمته في الدنيا والآخرة لإهانتهم مع التعذيب ملحقين بالشياطين ، لأن الكفر مؤثر في السر والعلانية (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) [٦٨] في الدنيا لا ينفك عنهم من تعب النفاق والخوف من المسلمين ومن الفضاحة بنزول الآيات للاطلاع على أسرارهم أو نوع عذاب في الآخرة سوى الصلي في النار.
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩))
قوله (كَالَّذِينَ) خبر مبتدأ محذوف ، نزل ذما للأولين بحالهم القبيح من الكفار وتشبيها للمخاطبين بهم في مثل حالهم (٣) ، أي أنتم أيها المنافقون مثل الذين (مِنْ قَبْلِكُمْ) من بني إسرائيل ، ويجوز أن يكون الكاف منصوبا محلا مفعولا لفعل مقدر ، أي فعلتم نبيكم مثل الذين فعلوا قبلكم بأنبيائهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) أي منعة وعساكر (وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فلم ينفعهم منعتهم وأموالهم وأولادهم من عذاب الله شيئا ، فكذلك لا ينفعكم جمعكم وأموالكم وأولادكم (فَاسْتَمْتَعُوا) أي انتفع من تقدمكم (٤)(بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم الذي أوتوا في الدنيا من الحظوظ الفانية بدل حظوظ الآخرة (٥) الباقية (فَاسْتَمْتَعْتُمْ) أيضا (بِخَلاقِكُمْ) أي بنصيبكم الذي أوتيتم في الدنيا من الحظوظ الفانية ورضيتم بها وقطعتم النظر عن العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة (كَمَا اسْتَمْتَعَ) أي كاستمتاع (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأمم الماضية (بِخَلاقِهِمْ) أي بنصيبهم من الدنيا استغناء عن نصيب الآخرة ، وإنما ذكر قوله (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أولا مع أن هذا التشبيه يغني عنه ، لأنه أراد أن ينبه المخاطبين على خساسة
__________________
(١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٢) «إن نعف عن طائفة» ، «نعذب طائفة» : قرأ عاصم ، «نعف» بنون مفتوحة مع ضم الفاء ، و «نعذب» بنون مضمومة مع كسر الذال ، و «طائفة» بنصب التاء ، وقرأ الباقون «يعف» بياء تحتية مضمومة مع فتح الفاء ، و «تعذب» بتاء مضمومة مع فتح الذال و «طائفة» بالرفع. البدور الزاهرة ، ١٣٨.
(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ٦٠ ؛ والكشاف ، ٢ / ٢٠٢.
(٤) من تقدمكم ، م : من تقدمهك ، ب ، من تقدمهم ، س.
(٥) الأخرة ، ب س : ـ م.