الله تعالى لها طوبى لمن دخلك ، وقيل : «علم لنهر جناته على حافاته» (١)(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) أي شيء من رضاء الله (أَكْبَرُ) أي أعظم من ذلك كله (ذلِكَ) أي الرضوان أو ما وعد لهم من الثواب والنعيم (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٧٢] أي الظفر الكبير الذي لا ينال إلا برضاه الأكبر دون ما يعده الناس فوزا.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣))
ثم أمر النبي عليهالسلام أن يستعمل الغلظة على الكفار والمنافقين ما أمكن منها فقال (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالحجة وإقامة الحدود عليهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) أي اشدد على الفريقين جميعا في المنطق ولا تحابهم (وَمَأْواهُمْ) أي منزلهم ومقرهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٧٣] أي المرجع الذي صاروا إليه في العاقبة.
(يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤))
ثم بين للنبي عليهالسلام سوء معاملتهم وخبث فعالهم بقوله (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) أي لم يقلولوا كلمة الكفر ، نزل حين خطب رسول الله في غزوة تبوك ذات يوم ، فذكر المنافقين وسماهم رجسا ، فقال الجلاس لئن محمد صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير ، فسمع عامر بن قيس فقال : والله إن محمدا لصادق ولأنتم شر (٢) من الحمير ، فأخبر بذلك رسول الله فقال الجلاس لقد كذب عامر علي وحلق ما قال ، فرفع عامر يده فقال : اللهم أنزل على نبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب ، فقال النبي عليهالسلام والمسلمون آمين (٣) ، فنزل جبرائيل قبل أن يتفرقوا ، وقال يحلفون بالله ما قالوا (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) أي أظهروا الكفر بعد إظهارهم الإسلام (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) أي وقصدوا بشيء لم يصلوا أن يفعلوه وهو الفتك برسول الله ليلا ، وذلك (٤) عند مرجعه من تبوك ، فانه توافق خمسة عشر رجلا من المنافقين أن يقتلوه في مضيق من جبل ، وقد أخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته عليهالسلام يقودها وحذيفة خلفها يسوقها ، فبيناهم كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فالتفت فاذا قوم متلثمون بعمائمهم ، فقالوا إليكم إليكم يا أعداء الله فهربوا فدفعهم الله بذلك عنه عليهالسلام فقال (وَما نَقَمُوا) أي ما عابوا وما طعنوا على محمد والمؤمنين (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ) أي إلا بسبب أن وسع الله (وَرَسُولُهُ) عيشهم (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه وكان أهل المدينة في شدة وضيق من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة ، فلما قدم النبي عليهالسلام المدينة استغنوا فقال تعالى (فَإِنْ يَتُوبُوا) من نفاقهم (يَكُ خَيْراً لَهُمْ) من الإقامة عليه ، قيل : لما نزلت هذه الآية تاب الجلاس وحسنت توبته (٥) ، وقتل مولى له خطأ ، فأمر رسول الله بديته اثني عشر ألفا فاستغنى بذلك (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أي إن أبوا عن التوبة (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا) بالقتل وإظهار سرهم (وَالْآخِرَةِ) بالنار (وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ) أي قريب ينفعهم (وَلا نَصِيرٍ) [٧٤] أي مانع يمنعهم من العذاب.
(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥))
قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) نزل في شأن خاطب بن أبي بلتعة ، وكان له مال كثير بالشام (٦) ، فحلف بالله (لَئِنْ آتانا) أي أعطينا (مِنْ فَضْلِهِ) المال الذي بالشام (لَنَصَّدَّقَنَّ) أي لأؤدين حق الله منه (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٧٥] أي ولنعملن عمل أهل الصالح به.
__________________
(١) عن عطاء بن السائب ، انظر البغوي ، ٣ / ٨١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢٠٣.
(٢) ولأنتم شر ، ب س : وأنتم أشر ، م.
(٣) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٧٢ ـ ٧٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٦٢.
(٤) وذلك ، س : ـ ب م.
(٥) نقله المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٦٢.
(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٦٣.