الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))
ثم قالوا للنبي عليهالسلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليهالسلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليهالسلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))
ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليهالسلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليهالسلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))
قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.
__________________
(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.
(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.
(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.
(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.
(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.
(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.
(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.
(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.