مصاحف أهل مكة (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [١٠٠] أي الثواب الوافر.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١))
ثم أخبر عن حال المنافقين القاعدين حول المدينة بقوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) وهم جهينة وغفار وأسلم وأشجع ، وعن حال المنافقين في المدينة بقوله (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) عطف على (مِمَّنْ حَوْلَكُمْ) الخبر للمبتدأ بعده ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي ومن أهل المدينة قوم (مَرَدُوا) أي استمروا (عَلَى النِّفاقِ) وتمهروا فيه ، يعني استحكم نفاقهم فلا يرجعون عنه إلى الإخلاص بالتوبة (لا تَعْلَمُهُمْ) بسبب إيمانهم باللسان (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) بما يبطنون في سويدات قلوبهم من النفاق لا نشك فيه ، إذ لا يخفى علينا السر والعلانية ونعرفك حالهم (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) الأولى إخراجهم من المسجد بأسمائهم يوم الجمعة ، والثانية عذاب القبر ، وقيل : القحط والقتل (١) ، وقيل : ما يصيبهم (٢) في الدنيا والآخرة من المصائب والشدائد (٣)(ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) [١٠١] بأن يخلدوا في عذاب جهنم وهو أعظم من كل عذاب.
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢))
قوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) مبتدأ وصفة ، وخبره (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) وهو توبتهم واعتذارهم الصحيح (وَآخَرَ سَيِّئاً) عطف على (عَمَلاً) ، فيكون من قبيل خلطت الماء واللبن ، أي جعلت كل واحد منهما مخلوطا بالآخر ، ويجوز أن يجعل الواو بمعنى الباء ليظهر المخلوط به الذي يقتضيه الخلط والآخر السيء وهو تخلفهم عن الغزو وهم أوس بن ثعلبة ووديعة بن خزام وأبو لبانة ، قيل : «ربط هو نفسه بعمود المسجد ، ثم قال والله لا أحل نفسي منه حتى يكون رسول الله عليهالسلام هو يحلني ، فجاء النبي عليهالسلام فحله بيده ، ثم قال : يا رسول الله! إن توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت الذنب فيها وأن أنخلع من مالي كله وأجعله صدقة لله تعالى ولرسوله ، فقال يجزيك الثلث يا أبا لبانة» (٤) ، وفي قوله (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) إشارة إلى طلب التوبة منهم فقال تعالى (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وفي ذكر (عَسَى) من الله دلالة على وجوب أن يتجاوز الله عنهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٠٢] يغفر ذنوب التائبين ويرحمهم بقبولهم بالمحبة.
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣))
ثم جاؤا بأموالهم إلى النبي عليهالسلام ، فقالوا هذه أموالنا فخذها وتصدق بها فانا تخلفنا عنك بسببها فاستكره الأخذ منها ، لأنه ما أمر به فنزل (٥)(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) من الذنوب ، وهي الصدقة المفروضة وكان هذا ابتداء الفرض (وَتُزَكِّيهِمْ) أي وتصلح (بِها) أعمالهم ، لأن بالزكوة تصلح الأعمال للقبول (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم واستغفر (إِنَّ صَلاتَكَ) مفردا وجمعا (٦) ، أي إن دعواتك (٧) عليهم (سَكَنٌ) أي طمأنينة (لَهُمْ) لأنها تؤذن أن الله قد قبل منهم الصدقة والتوبة (وَاللهُ سَمِيعٌ) لاعترافهم بذنوبهم (عَلِيمٌ) [١٠٣]
__________________
(١) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ٧١.
(٢) الأولى إخراجهم من المسجد بأسمائهم يوم الجمعة والثانية عذاب القبر وقيل القحط والقتل وقيل ما يصيبهم ، ب م : ـ س.
(٣) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ١٠١.
(٤) عن الزهري ، انظر السمرقندي ، ٢ / ٧١ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٥) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ٧٢.
(٦) «صلوتك» : قرأ حفص والأخوان وخلف بالتوحيد ونصب التاء ، والباقون بالجمع وكسر التاء. البدور الزاهرة ، ١٣٩.
(٧) دعواتك ، س م : دعوتك ، ب.