بما في ضما رهم من الغم والندم ، وقيل : السنة للمصدق (١) أن يدعو لصاحب الصدقة إذا أخذها ، قال الشافعي أحب إلي أن يقول له آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا وبارك لك فيما أبقيت (٢).
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤))
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) إذا تابوا عن الشرك (٣) والمعاصي توبة مقرونة بالصحة (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أي ويقبلها منهم إذا تصدقوا بخلوص النية فما منعهم عن التوبة والتصدق ، قيل : «إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل» (٤) ، يعني يتقبلها ويضاعف عليها ، وفي رواية : «فيربيها كما يربي أحدكم فصيله حتى تكون اللقمة مثل أحد» (٥) ، قوله (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [١٠٤] عطف على مفعول (يَعْلَمُوا) ، أي ألم يعلموا أنه هو المتجاوز عن الذنوب بالتوبة لمن تاب الرحيم له بادخاله جنته.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥))
(وَقُلِ) لهم يا محمد (اعْمَلُوا) خيرا (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) ويجازيكم به (وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ويشهدون لكم يوم القيامة ، فلا تغفلوا عن التوبة وعمل الخير ، وفيه تهديد وتحذير من عاقبة الإصرار على الكفر وعمل الشر ، وأكد ذلك بقوله (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) الذي لا يغرب عن شيء في الأرض ولا في السماء بالبعث يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٠٥] في الدنيا.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦))
قوله (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) بالهمزة وغيره (٦) ، من أرجأته إذا أخرته ، مبتدأ وخبر ، أي وقوم آخرون من المتخلفين التائبين مؤخرون عن قبول توبتهم ، يعني لم يتبين بالوحي شيء فيهم (٧)(لِأَمْرِ اللهِ) أي لأن يحكم (٨) فيهم بما يشاء ، فانتظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في توبتهم (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ) إن لم يتوبوا (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي يقبل توبتهم إن تابوا (وَاللهُ عَلِيمٌ) بحالهم (حَكِيمٌ) [١٠٦] يحكم بما يشاء فيهم.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧))
قوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) بواو العطف وتركها (٩) مبتدأ ، وخبره محذوف يقدر بعد من قبل (١٠) ، وهو يعذبون ، نزل في جماعة من المنافقين كانوا اثني عشر رجلا (١١) ، وهم بنو غنم بن عوف بعد ما بنى إخوتهم بنو عمرو بن عوف مسجدا قباء ، ودعوا رسول الله إلى مسجدهم ليصلي فيه بهم تبركا ، فأتى وصلى ، فحسدتهم إخوتهم وقالوا : نبني نحن أيضا مسجدا وندعوا رسول الله ويصلي فيه بنا كما صلى بهم ، ثم يصلي بنا فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام ، وكان النبي عليهالسلام سماه فاسقا ، وقال لهم : لا تقولوا له راهب ولكن قولوا فاسق ، لأنه قد آمن به مرتين ، ثم رجع عن الإسلام ، وكان قد قال لهم : ابنوا مسجدا فاني ذاهب
__________________
(١) للمصدق ، ب : للمتصدق ، س م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٢ / ٢١٢.
(٢) نقله عن الكشاف ، ٢ / ٢١٢.
(٣) عن الشرك ، م : من الشرك ، ب س.
(٤) عن ابن مسعود ، انظر الكشاف ، ٢ / ٢١٢.
(٥) أخرجه الترمذي ، الزكوة ، ٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ٧٢.
(٦) «مرجون» : قرأ المكي والبصريان والشامي وشعبة بهمزة مضمومة ممدودة بعد الجيم ، والباقون بواو ساكنة بعد الجيم من غير همز. البدور الزاهرة ، ١٣٩.
(٧) فيهم ، ب س : منهم ، م.
(٨) أي لأن يحكم ، ب س : ـ م.
(٩) «والذين» : قرأ المدنيان والشامي بحذف الواو قبل «الذين» ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ١٣٩.
(١٠) يقدر بعد من قبل ، ب س : مقدر بعد قيل ، م.
(١١) كانوا اثني عشر رجلا ، ب س : ـ م.