بقبول توبته ، والفاء جواب شرط متقدم ، وهو من عمل ، وقيل : نزلت الآية في قوم جاؤا إلى النبي عليهالسلام قد أصابوا ذنوبا عظاما فأعرض عنهم (١).
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))
(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك البيان (نُفَصِّلُ) أي نبين شيئا بعد شيء (الْآياتِ) أي آيات القرآن لتعرف سبيل المؤمنين لماذا يؤمنون (وَلِتَسْتَبِينَ) أي ولتعرف (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [٥٥] أي طريق الكافرين لماذا لا يؤمنون ، فانهم إذا رأوا الضعفاء يؤمنون بك قبلهم أبوا عن الإيمان تكبرا وحسدا ، قرئ بنصب ال «سبيل» مفعولا وتاء «تستبين» على خطاب الرسول ، وبرفع ال «سبيل» مع التاء والياء في «تستبين» (٢) فاعلا ، والطريق يذكر ويؤنث ، ومعناه ليظهر طريقهم.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))
ثم قال (قُلْ) يا محمد استجهالا لهم (إِنِّي نُهِيتُ) أي زجرت من الظاهر والباطن ، يعني سمعا وعقلا (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدون (٣)(مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره من الأصنام ، وأمرت أن أعبد الله وحده ، فأنتم في عبادة غيره على غير بصيرة باتباع الهوى (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) في طرد الضعفاء المسلمين عن مجلسي وعبادة الأوثان وترك دين الإسلام (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي إن أتبعت أهواءكم في ذلك (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [٥٦] أي على طريق الحق ، أي إن فعلت ذلك (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) أي على حجة واضحة وهي القرآن المنزل (مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي بالقرآن وهو حال بتقدير «قد» ، فقال النضر بن الحارث : إن كان ما تقول حقا فاتنا بعذاب من عند ربك فقال تعالى قل (ما عِنْدِي ما) أي ليس عندي الذي (تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي العذاب (إِنِ الْحُكْمُ) أي ما القضاء في نزول العذاب (إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ) بالضاد المعجمة من القضاء (٤) ، أي يحكم الحكم الحق ، وبالصاد المهملة والتشديد (٥) من القصص ، أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به (٦) ويقدره ، من قص أثره إذا اتبعه (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) [٥٧] أي الحاكمين.
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أي في قدرتي واختياري (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي لأتم أمر جدالكم معي بأن أهلكتكم بالعذاب عاجلا وتخلصت منكم سريعا (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) [٥٨] أي بعقوبتهم ، يعني هو أعلم متى ينزل بهم العذاب ويجب بالحكمة.
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) أي الله مخصوص بثبوت الطرق الموصلة عنده إلى علم الغيب ، فلا يتوصل إليه غيره ،
__________________
(١) عن ماهان النخعي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٨٨ ؛ والواحدي ، ١٨٤.
(٢) «سبيل» ، «تستبين» : قرأ نافع أبو جعفر بتاء الخطاب ونصب لام «سبيل» ، وقرأ شعبة والأخوان وخلف بالياء ورفع «سبيل» ، والباقون بالتاء والرفع. البدور الزاهرة ، ١٠٣.
(٣) أي تعبدون ، ب س : أي يعبدون ، م.
(٤) من القضاء ، ب م : ـ س.
(٥) «يقص الحق» : قرأ المدنيان والمكي وعاصم بضم القاف وبعدها صاد مهملة مضمومة مشددة ، والباقون بسكون القاف وبعدها ضاد معجمة مكسورة مخففة. البدور الزاهرة ، ١٠٣.
(٦) فيما يحكم به ، ب م : فيما يأمر به ، س.