الشديد ليؤمنوا ويطيعوا فهو بمنزلة رفع الجبل على قوم موسى لامتثال أمر التورية (١).
وقصة الآية : أنه قال عبد الله مسعود رضي الله عنه إن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل ، فأرسل الله إليهم يونس عليهالسلام يدعوهم إلى الإيمان ، فأبوا فقال لهم بوحيه تعالى : أن العذا مصبحكم إلى ثلاثة أيام ، فقال بعضهم لبعض ما جربنا عليه كذبا مذ كان معنا ، فانظروا إن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فاحتالوا لأنفسكم وخرج في تلك الليلة من عندهم ، فلما أصبحوا رأوا غيما أسود فيه دخان عظيم ، فهبط حتى غشي مدينتهم وتسودت سطوحهم ، فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا بالهلاك فترادوا المظالم ، قيل كان يقلع الرجل الحجر الذي قد وضعه بالظلم في أساس بنائه ويرده إلى مالكه ، فتابوا واستغفروا الله ولبسوا المسوح وخرجوا إلى الصحراء مع النساء والصبيان والبهائم ، وفرقوا بين الأولاد والأمهات من الأناسي والبهائم فحن بعضهم إلى بعض ، ثم عجوا إلى الله مؤمنين متضرعين تائبين أربعين ليلة ، فلما عرف الله منهم صدق التوبة وإخلاصها رحمهم ، فرفع عنهم العذاب بعد ما كان غشيهم ، ففيه تخويف شديد لأهل مكة وغيرهم بأنهم إن لم يؤمنوا لنزل بهم العذاب ، فلا ينفعهم الإيمان إن آمنوا في ذلك الوقت ، روي : أنهم خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم وعرضوا عليه حالهم من نزول العذاب بهم ، فقال : قولوا يا حي حين ، لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت ، فقالوها فكشف عنهم العذاب وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة ، وقيل : قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل ، فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن له أهله (٢).
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩))
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) يا محمد إيمانهم (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) بتوفيقه وهدايته إياهم أو بالقسر والإلجاء كما فعل بقوم يونس لكنه لم يفعل ، لأن الدنيا دار ابتلاء (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) أي المشركين (حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [٩٩] ليس ذلك إليك وإنما عليك التبليغ ، قيل : هو في شأن عمه أبي طالب (٣).
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠))
ثم أومي إلى أن الإيمان لا يكون للمؤمن إلا باذنه وإرادته (وَما كانَ لِنَفْسٍ) من النفوس التي علم أنها تؤمن (أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بتسهيله وتوفيقه (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) بالنون والياء (٤) ، والجاعل الله ، أي الخذلان ، لأنه سبب الرجس وهو العذاب (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [١٠٠] من الله أمره ونهيه.
(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١))
(قُلِ انْظُرُوا ما ذا) «ما» استفهامية و (ذا) بمعنى الذي عند سيبويه ، أي انظروا نظر عبرة ما الذي (فِي السَّماواتِ) من دلائل التوحيد كالشمس والقمر والنجوم (وَ) في (الْأَرْضِ) من الجبال والأشجار والثمار والبحار وغير ذلك ، فاعتبروا به وآمنوا (وَما تُغْنِي الْآياتُ) أي ولا تنفع العلامات (وَالنُّذُرُ) جمع نذير ، أي الرسل (عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [١٠١] لعلمه السابق أنهم يموتون على الكفر.
(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢))
ثم هدد كفار مكة بقوله (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) أي ما يترقبون بعدم الإيمان (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا) أي وقائع الذين مضوا (مِنْ قَبْلِهِمْ) من مكذبي الأمم كقوم نوح وعاد وثمود ، والعرب تسمي العذاب والنعمة أياما كقوله
__________________
(١) ليؤمنوا ويطيعوا فهو بمنزلة رفع الجبل على قوم موسى لامتثال أمر التورية ، ب س : ـ م.
(٢) اختصره من البغوي ، ٣ / ١٨٣ ؛ والكشاف ، ٣ / ٢٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١١٢.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ١١٢.
(٤) «ويجعل» : قرأ شعبة بالنون وغيره بالياء التحتية. البدور الزاهرة ، ١٥١.