قدم على (لَيْسَ) ، وهو دليل لمن يدعي جواز تقديم خبر (لَيْسَ) عليها ، لأنه إذا جاز تقديم المعمول كان قديم عامله أجوز وأولى ، إذ المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩))
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) أي الوليد بن المغيرة أو الجنس (مِنَّا رَحْمَةً) أي نعمة كالعافية والغنا (ثُمَّ نَزَعْناها) أي أزلنا تلك النعمة (مِنْهُ) أي من الإنسان (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) أي شديد القنوط من أن لا تعود إليه قاطع الرجاء من فضل الله بلا صبر وتسليم لقضائه ولا استرجاع (كَفُورٌ) [٩] أي عظيم الكفران بانعام الله عليه النعم الوافرة فيما مضى من الزمان لا يشكره أصلا على ذلك.
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠))
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي الإنسان (نَعْماءَ) أي وسعة النعمة وتمام الصحة (بَعْدَ ضَرَّاءَ) أي بعد شدة (١)(مَسَّتْهُ) أي أصابته (لَيَقُولَنَّ) أي الإنسان (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ) أي زالت الشدائد (عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ) أي بطر (فَخُورٌ) [١٠] أي متجبر على الناس بما أذاقه الله من نعمائه وقد شغله الفخر عن الشكر ، قيل : «الفرح لذة في القلب لنيل المشتهى ، والفخر التطاول على الناس بتعديد المناقب ، وذلك منهي عنه» (٢).
(إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١))
قوله (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) إن نالتهم شدة استثناء متصل من (الْإِنْسانَ) أو منقطع ، أي لكنهم ليسوا كذلك ، فمحل (الَّذِينَ صَبَرُوا) رفع ، مبتدأ وعطف على الصلة قوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بينهم وبين ربهم ، يعني إن نالوا نعمة أقروا وشكروا ، وخبر المبتدأ (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الذنوب (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [١١] وهو الجنة واللقاء.
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢))
قوله (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) نزل حين قالت كفار مكة إئت بقرآن غير هذا ، ليس فيه سب آلهتنا ، وقالوا أيضا : كيف لا ينزل عليه ملك نراه أو كيف لا يكون له كنز من المال ينفقه حتى نتبعه ، فهم النبي عليهالسلام أن يترك سب آلهتهم ظاهرا (٣) ، فقال تعالى لعلك تقصد ترك بعض الموحى إليك فلا تبلغه إياهم مما يسؤهم رجاء أن يتبعوك (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) أي ويضيق بما كلفت قلبك ، يعني بما نتلوه عليهم مخافة (أَنْ يَقُولُوا) تكذيبا (لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ) ينفقه (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) يصدقه ويعينه ، ثم قال تعالى يا محمد (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) من الله برسالته فلا تترك النذارة وأد الرسالة فانما عليك الإنذار وتبليغ الرسالة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) مما يقصدونك به من السوء (وَكِيلٌ) [١٢] أي حفيظ يحفظ ما يقولون ، فيجازيهم به ، فعليه توكل وبلغ الوحي بقلب فسيح ولا تبال بسفههم ، فانه ناصرك عليهم وذكر (ضائِقٌ) مكان «ضيق» ليدل على أن ضيقه كان عارضا لا مستمرا كسيد وسائد ، المعنى : أنهم لا يقرون بأنك رسول الله والقرآن ينزل عليك من الله.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤))
(أَمْ يَقُولُونَ) أي بل يقولون (افْتَراهُ) أي اختلقه من تلقاء نفسه (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) أي مثل سور القرآن آية سورة كانت (مُفْتَرَياتٍ) أي مختلقات تماثله (٤) في حسن النظم والبيان إن كنتم تزعمون أن محمدا اختلقه من ذات نفسه ، قيل : كيف يستقيم هذا مع قوله في يونس (فَأْتُوا) سورة (مِثْلِهِ)(٥) ، وقد عجزوا عنه فيكون كقول
__________________
(١) أي بعد شدة ، س : أي شدة ، ب م.
(٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ١٩٤.
(٣) نقله المصنف عن البغوي ، ٣ / ١٩٥.
(٤) تماثله ، ب س : مماثله ، م.
(٥) يونس (١٠) ، ٣٨.