رجل آخر أعطني دينارا فعجز فقال أعطني عشرة دنانير ، وأجيب عنه بأن سورة هود نزلت أولا للتحدي ومنعه المبرد ، لأن نزول سورة يونس سابق عنده وقال : المعنى إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الأخبار والأحكام والوعد والوعيد فاتوا بعشر سور مثله من غير وعد ولا وعيد ، وإنما هي مجرد البلاغة (١)(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي استعينوا بآلهتكم للمعارضة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٣] في قولكم (افْتَراهُ) ، فسكتوا فلم يجيبوا فنزل (٢) (فان لم (يَسْتَجِيبُوا) أي إن لم يجيبوا (لَكُمْ) يا محمد خوطب بالجمع بعد قوله (قُلْ) بافراد الخطاب تعظيما له أو خوطب أولا وحده ثم خوطب ثانيا مع أصحابه (فَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون (أَنَّما أُنْزِلَ) القرآن (بِعِلْمِ اللهِ) أي ملابسا بعلمه ، يعني أنزله عالما بانزاله بنظم معجز للخلق مشتمل على أخبار بغيوب وعلوم لا سبيل لهم إليه (وَ) اعلموا أيضا (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي إلا الله الذي ينزل القرآن بعلمه على رسوله محمد (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [١٤] أي مخلصون في إيمانكم بذلك بعد هذه الحجة القاطعة ، يعني اثبتوا على العلم الذي أنتم عليه ، وهو أنه منزل من عند الله ، قيل : الاستفهام فيه بمعنى الأمر ، يعني أسلموا (٣).
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥))
قوله (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا) بعمله (٤)(وَزِينَتَها) ولا يريد به وجه الله ، نزل في شأن المنافقين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يعملون لغير الله (٥)(نُوَفِّ) أي نتم (إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ) أي جزاءها بسعة (٦) الرزق والصحة وطيب العيش ودفع المكاره (فِيها) أي في الدنيا (وَهُمْ فِيها) أي في الدنيا (لا يُبْخَسُونَ) [١٥] أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم ، يعني يرزقونها وافية كاملة من غير بخس.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦))
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ) أي هلك في الآخرة (ما صَنَعُوا فِيها) أي ثواب صنعهم في الدنيا (وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [١٦] في نفسه إما لعدم مقارنة الإيمان أو لأنه لم يكن لوجه الله ، قال عليهالسلام : «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله! وما الشرك الأصغر؟ قال : الرياء» (٧) ، وفي رواية : «أن يصبح صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه» (٨) ، وقال أيضا : «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة» (٩) ، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضي (١٠) إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطي بها خيرا.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))
ثم قال تعالى مشيرا إلى أن ليس التساوى بين من يريد الدنيا بعمله ومن يريد الآخرة به بقوله (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) مبتدأ ، خبره محذوف ، أي أمن كان على دين صحيح وحجة ظاهرة (مِنْ رَبِّهِ) كمن ليس على بينة ، والفاء صلة بالذي هو على بينة محمد عليهالسلام (وَيَتْلُوهُ) أي ويتبع محمدا (شاهِدٌ) وهو جبرائيل رسول (مِنْهُ) أي من
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ١٩٧.
(٢) هذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ١١٩.
(٣) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ١١٩.
(٤) بعلمه ، ب : بعلمه ، س م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١١٩ ؛ والبغوي ، ٣ / ١٩٧.
(٥) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١١٩.
(٦) بسعة ، ب : سعة ، م ، سعة في ، س.
(٧) رواه أحمد بن حنبل ، ٥ / ٤٢٨ ، ٤٢٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ١٩٧.
(٨) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٩) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ١٢٣ ، ٢٨٣ ؛ ومسلم ، المنافقين ، ٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ١٩٧.
(١٠) أفضي ، م : أقضي ، ب س ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ١٩٧.