الله يشهد بصدقه ، وقيل : «ملك يحفظه ويسدده» (١) ، وقيل : «القرآن بنظمه وإعجازه من لسانه» (٢)(وَمِنْ قَبْلِهِ) أي وقبل محمد أو قبل القرآن كان (كِتابُ مُوسى) وهو التورية يشهد أيضا بصدق محمد عليهالسلام (إِماماً) نصب على الحال ، أي حال كون كتابه مؤتما به في الدين قدوة في العمل به (وَرَحْمَةً) أي وهداية لمن اتبعه ، يعني التورية أو آمنا من العذاب المنزل (٣) عليهم من المؤمنين به (أُولئِكَ) أي المؤمنون بكتاب موسى (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن أو بالنبي عليهالسلام (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن أو بمحمد عليهالسلام (مِنَ الْأَحْزابِ) أي الكفار المتحزبين على النبي عليهالسلام (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي مصيره بوعدنا إياه (فَلا تَكُ) يا محمد (فِي مِرْيَةٍ) أي في شك (مِنْهُ) أي من الموعد أو من القرآن (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي إن القرآن الصدق من الله وهو رد لقولهم إنه لقول شيطان رجيم اسمه الري يلقيه (٤) إلى محمد (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) [١١٧] وهم أهل مكة لا يصدقون بأنه من عند الله.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨))
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن له ولدا أو معه شريكا أو كذب بآياته ، أي بالقرآن يعني لا أحد أظلم منه (أُولئِكَ) أي المكذبون (يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) حين سيقوا إليه يوم القيامة ويسألهم عن أعمالهم (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) أي الرسل المبلغون بالرسالة أو الملائكة الحافظون للأعمال (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) بأن القرآن ليس منه (٥) أو بنسبة الولد والشريك إليه (أَلا لَعْنَةُ اللهِ) أي غضبه وطرده (عَلَى الظَّالِمِينَ) [١٨] أي على (٦) المشركين.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩))
ثم بينهم بالوصف بقوله (الَّذِينَ يَصُدُّونَ) أي يصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دين الحق وهو الإسلام (وَيَبْغُونَها) أي ويطلبون (٧) دين الإسلام (عِوَجاً) أي ميلا عن الاستقامة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [١٩] أي هم المخصوصون (٨) بانكار البعث يوم القيامة ، فكرر الضمير تأكيدا لكفرهم وبيانا لاختصاصهم بالكفر.
(أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢))
(أُولئِكَ) أي الكاذبون على ربهم (لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) أي فائتين الله لو أراد عذابهم (فِي الْأَرْضِ وَما كانَ) أي ليس (لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي من غيره (مِنْ أَوْلِياءَ) أي ناصرين (٩) يحفظونهم من عذابنا في الدنيا أو في الآخرة (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) بتشديد العين من التضعيف ، وبالألف من المضاعفة (١٠) ، يعني يزاد للرؤساء منهم العذاب بكفرهم وبما أضلوا غيرهم ، قوله (ما كانُوا) بدل من خبر المبتدأ وهو (أُولئِكَ) أو هو خبر ثان له ، أي أولئك لم يكونوا (يَسْتَطِيعُونَ) أي يقدرون (السَّمْعَ) أي الاستماع إلى الحق وهو كلام النبي عليهالسلام فرط تصاممهم عنه جحدا له (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) [٢٠] أي ينظرون إلى النبي من بغضه ، ويجوز أن يراد من أولياء آلهتهم.
__________________
(١) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٨.
(٢) عن الحسين بن الفضل ، انظر البغوي ، ٣ / ١٩٨.
(٣) المنزل ، م : للمنزل ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٣٣.
(٤) يلقيه ، ب م : يلقنه ، س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٢٠.
(٥) بأن القرآن ليس منه ، ب م : أي بالقرآن ليس منه ، س.
(٦) علي ، م : ـ ب س.
(٧) أي ويطلبون ، س م : ويطلبون ، ب.
(٨) المخصوصون ، ب م : المختصون ، س.
(٩) ناصرين ، س م : ناصرون ، ب.
(١٠) «يضاعف» : قرأ المكي والشامي وأبو جعفر ويعقوب بحذف الألف بعد الضاد وتشديد العين ، والباقون باثبات الألف وتخفيف العين. البدور الزاهرة ، ١٥٣.