ثم بين نفي كونها أولياء بقوله (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) على الحقيقة ، (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) كذلك ، فكيف تصلح للولاية وقوله (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) اعتراض بوعيد.
ثم أخبر أن وبال الافتراء (١) يرجع إلى أنفسهم بقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي غبنوها باشتراء عبادة الآلهة بعبادة الله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي وفات (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢١] أي يزعمون أن آلهتهم أو الملائكة تشفع لهم عنهم.
(لا جَرَمَ) أي حقا أو لا بد ، وأصل (جَرَمَ) قطع ، وقيل : لا وجرم بنيا معا على الفتح ، محله رفع بالابتداء (٢) ، خبره (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) [٢٢] أي الحق كونهم الأخسرين يوم القيامة.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣))
ثم أخبر عن حال المؤمنين في الآخرة بقوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (وَأَخْبَتُوا) أي اطمأنوا بالإخلاص (إِلى رَبِّهِمْ) أي إلى عبادته بالخشوع ، من الخبت وهو المكان المطمئن (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢٣] أي لا يخرجون ولا يموتون ، قيل : هذه الآية في شأن الصحابة ومن مثلهم من المؤمنين (٣) ، والآية التي قبلها في شأن الكافرين.
(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤))
ثم بين مثلا لكل من الطائفتين تحقيقا للفرق بينهما وعدم تسويتهما في الشبه ترغيبا في الإيمان وتزهيدا عن الكفر فقال (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي الكافر والمؤمن (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ) أي كمثلهما ، وهو للكافرين ، والواو بينهما كالواو الداخلة بين الصفة والموصوف للتأكيد ، وكذا في قوله (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أي وكمثلهما للمؤمنين (هَلْ يَسْتَوِيانِ) أي الفريقان (مَثَلاً) أي تشبيها ، تمييز ، يعني الرجل الذي لا يبصر ولا يسمع لا يستوي بالذي يبصر ويسمع ، خاطب به النبي عليهالسلام كفار مكة فقالوا لا يستويان قال (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [٢٤] بالتخفيف والتشديد (٤) ، أي لا (٥) تتعظون (٦) بعد العلم بأنهما لا يستويان فتؤمنون.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٢٥] نزل لتهديد كفار مكة (٧) ، يعني إن لم يتعظوا بما ذكرنا فاتل عليهم خبر نوح ، إذ أرسلناه إلى قومه ملتبسا بالإنذار من عذاب الدنيا والآخرة ، أي بأني وبالكسر (٨) على إرادة القول المضمن في الرسالة ، أي أرسلناه إليهم وقال يا قوم إني لكم مخوف من الله ذو بيان بلغة تعرفونها.
(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦))
(أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وهو بدل من «إني» ، أي بأن لا توحدوا ولا تطيعوا غير الله (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [٢٦] أي مؤلم بالغرق أو بالنار يوم القيامة ، قيل : بعث نوح بعد أربعين سنة (٩) أو خمسين (١٠) أو مائة أو مائتين وخمسين سنة ، ومكث فيهم يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة (١١).
(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا
__________________
(١) وبال الافتراء ، ب س : وباله ، م.
(٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٢٢.
(٤) «تذكرون» : خفف الذال حفص والأخوان وخلف وشددها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٥٣.
(٥) أي لا ، م : أي ، ب س.
(٦) تتعظون ، ب س : يتعظون ، م.
(٧) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ٢ / ١٢٢.
(٨) «إني» : قرأ المكي والبصريان والكسائي وخلف في اختياره وأبو جعفر بفتح همزة «اني» ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ١٥٣.
(٩) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٠٢.
(١٠) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٢٠٢.
(١١) نقله عن البغوي ، ٣ / ٢٠٢.