في كل يوم مرتين (١)(وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [٦١] أي الملائكة لا يقصرون بالزيادة والنقصان فيما يؤمرون.
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))
(ثُمَّ رُدُّوا) أي الملائكة أو العباد (إِلَى اللهِ) أي إلى حسابه وجزائه (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) بالجر صفتان ل «الله» ، أي مالكهم ومتولي أمورهم العدل الذي لا يحكم بينهم إلا بالحق (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) أي اعلموا أن الحكم لله يوم القيامة لا لغيره (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) [٦٢] إذا حاسب ، لأنه لا يحتاج إلى فكرة وعدة.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣))
ثم قال توبيخا لهم بشركهم (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي من شدائدهما ومخاوفهما كالخسف والغرق ، يقال لليوم الشديد يوم مظلم وإن كان نهارا (تَدْعُونَهُ) أي الله (تَضَرُّعاً) أي علانية (وَخُفْيَةً) بكسر الخاء وضمها (٢) ، أي سرا إذا وقعتم في الشدائد تقولون له (لَئِنْ أَنْجانا) بتاء الخطاب ، وقرئ أنجانا بالألف (٣) ، أي لئن خلصنا (مِنْ هذِهِ) الشدائد (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [٦٣] لله تعالى ، أي الموحدين له.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤))
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ) بالتشديد والتخفيف (٤) ، أي يخلصكم (مِنْها) أي من تلك الشدائد (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي غم وشدة ، يعني يكشف الله ظلماتهم عنكم إذا دعوتموه (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [٦٤] الأصنام به.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))
ثم قال وعيدا لهم بأصناف العذاب ليؤمنوا (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كالرمي بالحجارة والريح العقيم وصيحة جبرائيل كما بعثها على من قبلكم (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كالخسف لقارون ، وقيل : هما حبس المطر والنبات (٥) ، وقيل : (مِنْ فَوْقِكُمْ) من قبل الأكابر والسلاطين الظلمة ، و (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) من قبل سفلتكم وعبيد السوء (٦)(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي يخلطكم (٧) فرقا مختلفة على أهواء شتى مع أئمة متجبرة (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أي يقتل بعضكم بعضا فتختلطوا وتشبكوا في ملاحم القتال (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي نبينها (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [٦٥] أي يعقلون ما هم عليه من الشرك المحال (٨) فيتوبون عن ذلك ويوحدون.
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦))
(وَكَذَّبَ بِهِ) أي بالقرآن أو بالعذاب (قَوْمُكَ) أي قريش (وَهُوَ الْحَقُّ) أي الصدق ، لأنه وحي من الله أو لا بد أن ينزل بهم (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [٦٦] أي بحفيظ مسلط لأمنعكم من التكذيب إجبارا وألجئكم إلى الإيمان ، إنما أنا منذر (٩) ، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧))
__________________
(١) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٢ / ٧١.
(٢) «وخفية» : قرأ شعبة بكسر الخاء ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٠٣.
(٣) «أنجينا» : قرأ الكوفيون بألف بعد الجيم من غير ياء ولا تاء ، والباقون بياء تحتية ساكنة بعد الجيم وبعدها تاء فوقية مفتوحة. البدور الزاهرة ، ١٠٤.
(٤) «ينجيكم» : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان ويعقوب باسكان النون وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ١٠٤.
(٥) وهذا منقول عن الكشف ، ١ / ٧٢.
(٦) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ٧٢.
(٧) أي خلطكم ، ب م : أي يخالطكم ، س.
(٨) المحال ، س : ـ ب م.
(٩) منذر ، ب م : منذر وما من إله إلا الله ، س.