الباقون (١)» (٢).
(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))
قوله (تِلْكَ) خطاب للنبي عليهالسلام ، أي ما سبق ذكره من أخبار نوح وقومه يا محمد (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) أي من أخبار ما غاب عنك (نُوحِيها إِلَيْكَ) بجبريل (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) كفار مكة (مِنْ قَبْلِ هذا) أي قبل نزول القرآن إليك (فَاصْبِرْ) على القيام بأمر الله وعلى تكذيبهم كما صبر نوح على تكذيب قومه (إِنَّ الْعاقِبَةَ) أي آخر الأمر بالسعادة والنصرة (لِلْمُتَّقِينَ) [٤٩] أي للموحدين المطيعين بالتقوى.
(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠))
قوله (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) عطف على (نُوحاً) ، أي وأرسلنا إلى قوم هود أخاهم في النسب نبيا هو هود (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي رب سواه (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) [٥٠] أي ما أنتم إلا (٣) كاذبون في قولكم إن لله شريكا.
(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢))
(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على تبليغ الرسالة والإيمان (أَجْراً) أي رشوة وجعلا (إِنْ أَجْرِيَ) أي ما ثوابي (إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي) أي خلقني (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [٥١] أن الله هو أحق بالعبادة دون غيره ولما حبس المطر عن قومه ثلاث سنين قال (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) من الشرك وآمنوا به (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي إلى الله من ذنوبكم (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي متتابعا كلما تحتاجون إليه لسقي الزروع والبساتين (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) أي شدة مع شدتكم الموجودة لكم في العدد والعدد والمال والدين والجسد والولد وطول العمر (وَلا تَتَوَلَّوْا) أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه من الإيمان والعبادة لله تعالى (مُجْرِمِينَ) [٥٢] أي مشركين آثمين.
(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣))
(قالُوا) أي قومه (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أي بحجة واضحة على قولك (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) أي لا نترك عبادة آلهتنا بقولك هذا (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [٥٣] أي بمصدقين بأنك رسول الله.
(إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥))
(إِنْ نَقُولُ) أي ما نقول لك (إِلَّا) قولا هو (اعْتَراكَ) أي أصابك (بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) وهو الجنون والتخبل لسبك إياها حتى قلت ما قلت فلا نتبعك ، فثم (قالَ) هود ردا عليهم واستخفافا بهم وبآلهتهم بتأكيد براءته من شركهم كما هو عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله وشهادة العباد (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) على نفسي (وَاشْهَدُوا) أنتم علي أيضا (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [٥٤] أي من إشراككم آلهة (٤)(مِنْ دُونِهِ) أي من غيره (٥) ولم يقل إن أشهدكم كما قال أشهد الله ، لأن إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح في معنى التوحيد ، وأما إشهادهم فما هو إلا تهاون بهم وتحقير بحالهم ، فجاءه بلفظ الأمر تهكما بهم (فَكِيدُونِي) أي اقصدوا إهلاكي أنتم وهم (جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [٥٥] أي لا تمهلوني.
__________________
(١) الصافات (٣٧) ، ٧٧.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ٢ / ١٣٠.
(٣) ما أنتم إلا ، ب س : ـ م.
(٤) آلهة ، ب م : آلهتهم ، س.
(٥) من غيره ، ب م : غير الله ، س.