من بعد يبعد بضم العين فيهما ، وللهلاك من بعد بكسر العين يبعد بفتحها ، والدعاء بالهلاك عليهم بعد هلاكهم ليدل على استحقاقهم به يقينا.
(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١))
(وَإِلى ثَمُودَ) أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود (أَخاهُمْ صالِحاً) في النسب لا ينصرف للتأنيث والتعريف وفي موضع ينصرف هو اسم للقوم (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي وحدوه وأطيعوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ) أي خلقكم ابتداء (مِنَ الْأَرْضِ) يعني من آدم وآدم منها (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي أطال عمركم بطول الحيوة في الأرض أو أسكنكم فيها وأسكن من بعدكم من العمري ، يعني جعلها لكم ما عشتم ، قيل : «كانت أعمارهم ألف سنة أو ثلثمائة» (١)(فَاسْتَغْفِرُوهُ) أي الله من الشرك (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) بالطاعة والدعوة (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) أي سهل المطلب داني الرحمة (مُجِيبٌ) [٦١] لدعاء من دعاه من أهل طاعته.
(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢))
(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) أي كنا نرجو منك الانتفاع بك في ديننا وتدبير أمورنا (قَبْلَ هذا) أي قبل أن تدعونا (٢) إلى دين غير دين آبائنا ، فلما نطقت بهذا القول انقطع رجاؤنا عنك وعلمنا أن لا خير فيك (أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الآلهة (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [٦٢] أي موقع في الريبة (٣) والتهمة ، من أرابني فلان إذا رأيت منه ما يريبك ، وفي معناه رابني (٤) ، يعني لا طمأنينة لنا فيما دعوتنا إليه باليقين.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣))
(قالَ) صالح لهم (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي على حجة واضحة أتتني منه (وَآتانِي) أي أعطاني (مِنْهُ رَحْمَةً) أي من عنده نبوة وحكمة لأبلغكم إياها ثم تركت أمره ودعوتكم إلى دينه (فَمَنْ يَنْصُرُنِي) أي يمنعني (مِنَ اللهِ) أي من عذابه (إِنْ عَصَيْتُهُ) وتركت أمره لدينكم الباطل (فَما تَزِيدُونَنِي) بقولكم هذا (غَيْرَ تَخْسِيرٍ) [٦٣] أي إلا نسبتي إياكم إلى الخسران والضلال ، يعني أقول لكم إنكم خاسرون أو معناه : إنكم تخسرون أعمالي وتبطلونها وهو كالتفسيق بمعنى النسبة إلى الفسق.
(وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥))
ثم قال (وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) أي علامة لنبوتي وعبرة لتعتبروا بها فتؤمنوا وهو نصب على الحال ، و (لَكُمْ) متعلق به معنى ، لأنه أيضا حال من (آيَةً) مقدما عليه ، إذ لو تأخر لكان صفة لها ، وذلك أن قومه طلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة ، فدعا صالح فخرجت تلك الناقة وولدت في الحال مثلها ، ثم قال (فَذَرُوها تَأْكُلْ) أي اتركوها ترتع (فِي أَرْضِ اللهِ) أي في وادي الحجر (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) أي ولا تصيبوها بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ) إن عقرتموها (عَذابٌ قَرِيبٌ) [٦٤] أي عاجل لا يتأخر عن مسكم لها بسوء إلا يسيرا ، وذلك ثلاثة أيام ، ثم يقع عليكم وكانت لهم بئر واحدة عذبة ، فجعل صالح للناقة شرب يوم لا يقربونها ولهم شرب يوم لا تحضرها ، وكانت امرأة جميلة غنية تتأذى بالناقة لأجل سائمتها ، فقالت من عقر الناقة أزوج نفسي منه ، فخرجت جماعة منهم قدار بن سالف ومصدع وجاؤا إلى ممرها ، فرماها مصدع بسهم فأصاب رجلها ،
__________________
(١) عن الضحاك ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٢١.
(٢) تدعونا ، ب : يدعونا ، س م.
(٣) في الريبة ، ب س : في الريب ، م.
(٤) رابني ، ب س : أرابني ، م.