ثم ضرب قدار بالسيف فعقرها وقسموا لحمها على جميع أهل القرية ، فلذلك قال (فَعَقَرُوها) أي قتلوها يوم الأربعاء (فَقالَ) لهم صالح تهديدا (تَمَتَّعُوا) أي عيشوا (فِي دارِكُمْ) أي في دنياكم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ثم تهلكون بالعذاب (ذلِكَ) أي نزول العذاب بكم بعد ثلاثة أيام (وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [٦٥] أي غير كذب ، وهو مصدر كالمصدوق بمعنى الصدق.
روي : أنه قال يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون في اليوم الأول باصفرار الوجوه وفي الثاني باحمرارها وفي الثالث باسودادها ، فكان كما قال وأتاهم العذاب يوم السبت فأهلكوا فيه (١).
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦))
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي بنعمة من عندنا (وَمِنْ خِزْيِ) عطف على (نَجَّيْنا) ، أي ونجيناهم من هوان (يَوْمِئِذٍ) بكسر الميم إعرابا لإضافة الخزي إليه وبفتح الميم (٢) بناء لإضافة «يوم» إلى مبني وهو «إذ» ، لأن ظرف الزمان متى أضيف إلى مبني جاز فيه الإعراب والبناء ، وخزيهم إما في الدنيا أو في الآخرة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ) أي المتين في أخذه بالشدة (الْعَزِيزُ) [٦٦] أي المنتقم ممن عصاه.
(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧))
(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي كفروا بالرسل (الصَّيْحَةُ) أي صياح جبريل وهو الصوت الذي سمعوا من السماء فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا (فَأَصْبَحُوا) أي فصاروا (فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) [٦٧] أي صرعى خامدين هالكين.
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨))
(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي كأن لم يكونوا مقيمين في ديارهم (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) قرئ بالصرف اسم للحي وبعدم الصفر (٣) علم للقبيلة (كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) [٦٨] أي تنبهوا يا كفار مكة فاحذروا من عقوبتهم كيلا يصيبكم بكفركم مثل ما أصابهم بكفرهم.
(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩))
(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) وهم الملائكة من السماء ، واختلفوا في عددهم ، والأصح وهو قول ابن عباس : «أنهم كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل» (٤) ، جاؤا (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) أي ببشارة الولد له وهم في صورة غلام أمرد ، وسلموا عليه (قالُوا سَلاماً قالَ) إبراهيم (سَلامٌ) أي عليكم سلام ، وقرئ سلم بكسر السين وسكون اللام (٥) بمعنى السّلام أو تقديره : أمري سلم بمعنى السلامة ، أي ما أريد عليكم إلا الأمن والصلاح (فَما لَبِثَ) إبراهيم (أَنْ جاءَ) أي عن المجيء (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [٦٩] أي مشوي بالحجارة في حفيرة يقطر دسمه ، والعجل ولد البقرة ، قيل : كان عامة مال إبراهيم البقر فلما قرب إليهم ووضعه بين أيديهم كفوا عنه ولم يأكلوا منه (٦).
(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠))
(فَلَمَّا رَأى) إبراهيم (أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) أي إلى العجل (نَكِرَهُمْ) أي استنكرهم وهو ضد المعرفة ، وكان
__________________
(١) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٣٣ ؛ والكشاف ، ٣ / ٤٥ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٢٣.
(٢) «يومئذ» : قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي بفتح الميم ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ١٥٦.
(٣) «ثمود» : قرأ حفص ويعقوب وحمزة بغير تنوين الدال ، والباقون بتنوينها. البدور الزاهرة ، ١٥٦.
(٤) انظر السمرقندي ، ٢ / ١٣٤ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٢٤.
(٥) «سلام» : قرأ الأخوان بكسر السين وإسكان اللام ، والباقون بفتح السين واللام وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ١٥٦.
(٦) هذا مأخوذ عن السمرقندي ، ٢ / ١٣٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٢٥.