الوصول إلى مراده وغير ذلك من الآيات (١).
(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨))
(إِذْ قالُوا) أي إخوته فيما بينهم عند سماعهم رؤيا يوسف (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) بنيامين (أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) ولم يثن ، لأن أفعل التفضيل إذا لم يعرف ولم يضف يستوي فيه القليل والكثير والمذكر والمؤنث ، والواو في قوله (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) للحال ، والعصبة من الواحد إلى العشرة ، أي والحال أنا جماعة عشرة يتم بنا الأمور وتستحكم ، وفينا كفاية ولا كفاية فيهما لصغرهما ، فهو يفضلهما علينا (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٨] أي لفي خطأ ظاهر في حبهما واختيارهما علينا ، فالمراد بالضلال سوء الرأي.
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩))
ثم قال بعضهم لبعض (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) أي مكانا مجهولا أو بعيدا من أبيكم ليهلك فيه (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) أي يصف لكم إقباله وشغله لا يلتفت إلى غيركم ويكثر حبه فيكم (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد قتله أو بعد غيبته عنكم (قَوْماً صالِحِينَ) [٩] بأن تتوبوا إلى الله مما جنيتم عليه ، فيتوب عليكم أو صلحت حالكم عند أبيكم بعد ذهاب يوسف ، فيه إيماء إلى أن المؤمن ينبغي أن يهيئ أمر التوبة قبل المعصية.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي من إخوة يوسف ، وهو يهوذا (٢) وكان أعقلهم ، وقيل : «إنه روبيل وكان أكبرهم» (٣)(لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) فان القتل عظيم (وَأَلْقُوهُ) أي اطرحوه (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) أي في قعر الجب الذي يغيب عن العين ، والغيابة ما غاب عن عينك ، وقرئ «غيابات الجب» (٤) ، والجب البئر الذي لم تطو بالحجارة بعد الأساس (يَلْتَقِطْهُ) أي يأخذه (بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أي المسافرين وهو ممن يمر عليه لطلب الماء (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) [١٠] ما عزمتم عليه من الشر فهذا هو الرأي ، فأطاعوا القائل بذلك وجاؤا إلى أبيهم وهم كانوا يومئذ بالغين ، ولم يكونوا أنبياء بدليل قوله (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) ، ولأنهم ارتكبوا جرائم كبيرة من قطيعة الرحم وعقوق الوالد وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له والغدر بالأمانة والكذب مع أبيهم النبي ، وهذه كلها لا تليق بالنبوة.
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١))
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) بالإدغام وإشمام النون الضم تنبيها على الأصل ، وهو إظهار النونين مع ضم الأولى (٥) ، بدؤا بالإنكار عليه في ترك إرساله معهم حثا على الإرسال ، أي أي حال لك لا تأمنا (عَلى يُوسُفَ) أتخافنا عليه (وَإِنَّا لَهُ) (لَناصِحُونَ) [١١] أي مريدون الخير له أو لحافظون بالشفقة ورادون إياه إليك.
(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢))
(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) بالنون فيهما للإسناد إلى الجميع ، قيل : كان لعبهم المسابقة والنضال وما يتقوى به على حرب العدو ولذلك أجاز لعبهم يعقوب عليه (٦) ، وبالياء فيهما للإسناد إلى يوسف ،
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٥٨.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٥٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٥٩.
(٣) عن قتادة والضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٥٢ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٥٩.
(٤) «غيابة الجب» : قرأ المدنيان بألف بعد الباء الموحدة علي الجمع ووقفا بالتاء ، والباقون بحذفها على الإفراد ووقف بالهاء المكي والبصريان والكسائي ، والباقون بالتاء. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٥) «تأمنا» : أصله بنونين مظهرتين ، الأولى مرفوعة والثانية مفتوحة ؛ قرأ أبو جعفر بادغامها في الثانية إدغاما محضا من غير روم ولا إشمام ، وقرأ كل من الباقين بوجهين : الأولى إدغامها في الثانية مع الإشمام ، والثاني اختلاس ضمتها. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٦) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٦٥ ـ ٦٦.