أي يأكل ما يشتهي من الطعام ويله ، وبالنون في الأولى والياء في الثاني ، أي نرتع نحن ويلعب يوسف ، وقرئ بكسر العين في «نرتع» فهو من ارتعي يرتعي ، فلامه حذفت للجزم في جواب الأمر وباسكان العين جزما (١) جوابا أيضا لأرسله ، فهو من رتع يرتع ، أي يتسع في أكل الفواكه وغيرها (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [١٢] عن الأذى وإصابة المكروه.
(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣))
(قالَ) أبوه يعقوب في الجواب معتذرا بشيئين (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) أي تذكر ذهابكم بيوسف بحذف المضاف لإرادة المبالغة في الحزن ، والحزن ألم القلب بفراق المحبوب ، قرئ معلوما (٢) من أحزن أو من حزن والمعنى واحد ، واللام لام الابتداء لتأكيد الحال هنا (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) بالهمز وبغير الهمز (٣)(وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) [١٣] أي مشغولون بلعبكم فيقل اهتمامكم بحفظه ، وإنما قاله لأنه رأى في المنام أن ذئبا قد شد وحمل على يوسف فأنجاه بنفسه (٤) ، وقيل : قاله لأن أرضهم كانت كثيرة الذئاب لا لأنه قصد تعليم العلة لهم في كيد يوسف كما قالوه ، إذ لا يجوز تلقين الخصم حجة (٥) ، قيل : إن إخوة يوسف كانوا لا يعلمون أن الذئب يأكل الناس إلى أن قال ذلك يعقوب عليهالسلام (٦) ، فوقع كالتعليم لهم على سبيل الاتفاق.
(قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤))
(قالُوا) أي إخوة يوسف والله (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي جماعة عشرة (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) [١٤] أي لهالكون ضعفا وعجزا حيث أكل بعضنا الذئب ونحن حاضرون ، قيل : اعتذر يعقوب إليهم بعذرين ، فأجابوا عن أحدهما دون الآخر ، لأنه هو الذي يغيظهم لا غير ، فبعد قولهم هذا رضي بذهابه معهم (٧) ، وقيل : أبى أن يرسله معهم حتى أتوا يوسف فقالوا له اطلب من أبيك ليبعثك معنا ، فطلب منه فرضي بذلك وأوصاهم أن يحسنوا إليه ويتعاهدوا أمره ويردوه إذا طلب الرجوع (٨).
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥))
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) إلى البرية جعلوا يحملونه على عواتقهم إكراما له ، فلما بعدوا به عن العيون أظهروا له العداوة ، فجعل أحدهم يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه هو أيضا ضرب القتل ، فقال يهوذا : أليس عهدكم بي أن لا تقتلوه؟ فامتنعوا من ضربه (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ) أي اتفقوا على جعل يوسف (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) أي في أسفلها فانطلقوا به إلى بئر على غير الطريق واسع الأسفل ضيق الرأس على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب أو فرسخين ، فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق شفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ردوا علي القميص أتواري به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكوكب تونسك ، قال : إني لم أر شيئا ، فألقوه فيها إرادة أن يموت فيها ، وكان فيها ماء ، فسقط فيه ثم آوي إلى صخرة فيها فقام عليها ، وبقي فيها ثلاث ليال ،
__________________
(١) «يرتع ويلعب» : قرأ المدنيان بالياء في الفعلين وكسر العين في «يرتع» من غير ياء ، وقرأ ابن كثير بالنون فيهما مع كسر العين من غير ياء ، وقرأ أبو عمر وابن عامر بالنون فيهما مع سكون العين ، وقرأ الكوفيون ويعقوب بالياء فيهما مع سكون العين. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٢) «ليحزنني» : قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي ، وغيره بفتح الياء وضم الزاي وفتح الياء الأخيرة المدنيان والمكي وأسكنها غيرهم. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٣) «الذئب» : جميعه أبدل همزة ياء في الحالين ورش والسوسي وأبو جعفر والكسائي وخلف في اختياره وأبدله في الوقف حمزة. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٤) اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٥٣ ؛ والكشاف ، ٣ / ٦٦.
(٥) نقله المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ١٥٣.
(٦) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ١٥٣.
(٧) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٣ / ٦٦.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ٢ / ١٥٣.