(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ) أي قال العزيز (لِامْرَأَتِهِ) زليخا (أَكْرِمِي مَثْواهُ) أي أحسني إليه مدة إقامته فينا في المطعم والمشرب والملبس والمقام (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فيما نحتاج إليه في كفاية أمورنا أو نبيعه بالربح إن أردنا بيعه ، وكان العزيز لا يولد له ولد فقال (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أي نتبناه فيكون ابنا لنا لما رأى في من مخائل الخير أو أن يوسف عرفه نسبه فأراد تبنيه لحريته (وَكَذلِكَ) أي وكانجائنا يوسف من البئر والشدائد إلى رأفة قلب العزيز عليه (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) أي أرض مصر بأن جعلناه حاكما عليها ليتصرف فيها كيف يشاء من الأمر والنهي بالعدل (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي لكي نلهمه من تعبير الرؤيا وغيره من العلوم (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) أي أمر الله يفعل كيف يشاء ، لا يغلبه شيء ولا يرد حكمه أحد أو على أمر يوسف ، أي مستول على إتمام أمره بالتدبير ولا يكله (١) إلى أحد غيره حتى يبلغه منتهى علمه فيه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [٢١] ما الله صانع وما يريد أن يفعله.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))
(وَلَمَّا بَلَغَ) يوسف (أَشُدَّهُ) أي قوته ، جمع شد أو شد أو لا واحد له من لفظه (٢) وهو منتهى شبابه ، قيل : «هو ما بين ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين سنة» (٣) ، وقيل : «هو ثلاث وثلاثون» (٤) ، وقيل : أربعون (٥)(آتَيْناهُ) أي أعطيناه (حُكْماً وَعِلْماً) أي نبوة ليحكم بين الناس بها وفقها في الدين ، وقيل : الحكم الإصابة في القول والعلم تأويل الرؤيا (٦)(وَكَذلِكَ) أي كما آتيناه في الدنيا من الحكم والعلم (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [٢٢] أي المطيعين من التوحيد في الآخرة ، وفيه تنبيه على أنه كان متقيا في عنفوان أمره ، قيل : «من أحسن عبادة ربه في حال شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله» (٧).
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))
(وَراوَدَتْهُ) أي طالبته مرة بعد مرة برفق وسهولة (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) أي المرأة التي يوسف في تربيتها ، وهي زليخا (عَنْ نَفْسِهِ) وهو كناية عما تريد النساء من الرجال ، يعني طلبت واحتالت عليه لتنال غرضها منه (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) السبعة عليها وعليه ، وكانت تمازحه وتعزه ، ويوسف يستعيذ بالله منها ويعظها بقوله اتقي الله ويزجرها ، وجعلت تقول له (٨) : ما أحسن عينيك ، قال : هما أول كل شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي ، ثم قالت : ما أحسن وجهك ، قال : هو للتراب يأكله ، ثم قالت : ما أحسن شعرك ، قال : هو أول ما ينتثر من جسدي ، قالت : إن فراش الحرير مبسوط ، فقم فاقض حاجتي ، قال : إذن يذهب نصيبي من الجنة (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) أي تهيأت لأجلك أو هلم وأقبل إلي ، واللام في (لَكَ) للبيان ، كأنه قيل : لك أقول هذا ، وقيل : العرب إذا دعا أحدا وصاح به يقول هيت لك (٩) ، قرئ بكسر الهاء وفتحها مع فتح التاء ، وبكسر الهاء مع همزة ساكنة بدلا من الياء وفتح التاء ، وبفتح الهاء وضم التاء (١٠) ، وبنيت هذه الألفاظ كلها ، لأنها اسم فعل كشتان ، ومعناها إما أمر أو خبر ، فلما قالت ذلك (قالَ) يوسف (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله معاذا مما تطلبين مني ، وهو
__________________
(١) ولا يكله ، ب س : ولا يكلمه ، م.
(٢) أو شد أو لا واحد له من لفظه ، ب س : ـ م.
(٣) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٦٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٥٦.
(٤) عن الضحاك ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٦٩ (عن مجاهد).
(٥) نقله المفسر عن الكشاف ، ٣ / ٦٩.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٦٩.
(٧) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٣ / ٦٩.
(٨) تقول له ، : تقوله ، س م.
(٩) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٢ / ١٥٦ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٦٩.
(١٠) «هيت لك» : قرأ المدنيان وابن ذكوان بكسر الهاء وياء ساكنة مدية بعدها وفتح التاء ، وقرأ هشام بكسر الهاء وهمزة ساكنة بعدها مع فتح التاء ، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وياء ساكنة لينة بعدها مع ضم التاء ، قرأ الباقون مثله إلا أنهم يفتحون التاء. البدور الزاهرة ، ١٦١.