يوسف» (١)(فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ) أي طالب الماء إلى البئر ليستقي (٢) لهم من ماءها وهو مالك بن ذعر (فَأَدْلى دَلْوَهُ) أي أرخى الدلو في البئر فتعلق يوسف بحبلها فلما خرج فاذا بغلام أحسن ما يكون (قالَ يا بُشْرى) بلا ياء بعد الألف كحبلى بمعنى السرور أو هو اسم رجل ناداه مالك ليعينه على إخراجه ، وبياء بعد الألف (٣) ، أضاف البشرى إلى نفسه فبشر نفسه وأصحابه به ، فقال (هذا غُلامٌ) أو كأنه قال أبشروا لأصحابه (وَأَسَرُّوهُ) أي أخفوه من سائر التجار رفقائهم ، والمخفي الوارد وأصحابه ليكون لهم (بِضاعَةً) أي قطعة من المال ليبيعوه بمصر ، وإنما أخفوه منهم خيفة أن يطلبوا منهم فيه المشاركة ، وقيل : أسر إخوة يوسف شأنه ، وقالوا إنه عبد آبق (٤) ، لأن يهوذا أتى يوسف بالطعام فلم يجده في البئر ، فأخبر بذلك إخوته فطلبوه ، فاذا هو بمالك بن ذعر وأصحابه ، وقد كانوا هددوا يوسف بالقتل حتى لا يعرف حاله ، ثم باعوه لهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) [١٩] أي بما يصنع إخوة يوسف به ، فقيل لهم : ما لهذا الغلام لا يشبه العبيد وإنما يشبهكم؟ فقالوا : إنه ولد في حجرنا وإنه ابن وليدة أمنا أمرتنا ببيعه ، فقال يوسف لهم : ارجعوا بي إلى أبي وأنا ضامن لكم رضاه وأنا لا أذكركم فعلكم هذا أبدا ، فأبوا عليه.
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠))
(وَشَرَوْهُ) أي اشتراه السيارة من إخوته أو باع إخوته (بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي مبخوس بمعنى حرام منقوص ، لأن ثمن الحر حرام ممحو البركة أو البخس الزيف (٥) أو القليل الناقص عن القيمة أو القليل ، وأبدل منه (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) أي قليلة ، لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما ويعدون ذلك وكانت الدراهم عشرين أو اثنين وعشرين أو أربعين ، وقالت المعتزلة : «باعه واجده وأصحابه لا إخوته بدليل قوله تعالى» (٦)(وَكانُوا) أي إخوة يوسف (فِيهِ) أي في يوسف يعني في ثمنه (مِنَ الزَّاهِدِينَ) [٢٠] أي لم يكونوا محتاجين إليه ، وقيل : كانوا من الراغبين عنه ليبعد عنهم (٧) ، ومعناه : أنه لم يكن قصدهم تحصيل الثمن ، بل مرادهم تبعيده عن أبيه وقومه أو كان السيارة فيه من الزاهدين عنه ، لأنه إخوته أخبروا لهم أنه آبق واستحقروه في البيع ، وليس الزهد الترك أصلا ، إنما الزهد التهاون بالشيء أو لأنهم التقطوه ، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالي بما باعه من الثمن وإن أخذ منه البلاغ ، وليس كلمة (فِيهِ) صلة (الزَّاهِدِينَ) ، لأن الصلة لا يتقدم على الموصول وهو اللام الداخل في الصفة وإنما هو بيان له (٨) ، وبيان الشيء قد يتقدم عليه ، كأنه قيل : في أي شيء زهدوا ، فقال فيه : زهدوا ، ثم انطلقوا بيوسف وتبعهم (٩) إخوته يقولون استوثقوا منه لا يأبق ، فذهبوا به حتى قدموا مصر وعرضه مالك بن ذعر على البيع في السوق ، فزاد الناس بعضهم على بعض حتى بلغ بحيث لا يقدر أحد عليه ، فاشتراه عزيز مصر ، اسمه قطفير وكان خازن الملك ريان ابن الوليد من العماليق آمن بيوس ومات في حيوته لامرأته زليخا بوزنه مسكا ووزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه حريرا وسلم إليه كلها ، وكان وزنه أربعمائة رطل وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))
__________________
(١) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٦٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٦٨.
(٢) ليستقي ، م : ليسقي ، ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٨٦.
(٣) «يا بشرى» : قرأ الكوفيون بغير ياء بعد الألف الأخيرة ، والباقون بياء مفتوحة بعدها وصلا وساكنة وقفا. البدور الزاهرة ، ١٦١.
(٤) نقله المصنف عن البغوي ، ٣ / ٢٦٦.
(٥) الزيف ، ب س : الزيوف ، م.
(٦) انظر السمرقندي ، ٢ / ١٥٥.
(٧) لعله اختصره من البغوي ، ٣ / ٢٦٧ ؛ والكشاف ، ٣ / ٦٨.
(٨) وإنما هو بيان له ، م : وإنما هي بيان له ، س ، وإنما هو بيان ، ب.
(٩) تبعهم ، ب س : وتبعدهم ، م.