عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء (١) ، وقال الحسن البصري : «إن الله تعالى لم يذكر ذنوب الأنبياء في القرآن تعييرا لهم بها ، ولكن ذكرها ليكونوا على خوف من الله تعالى وليعرفوا منزلة النعمة في الإعراض على الزلزلة ولئلا ييأس أحد من رحمة الله» (٢) ، لأن الحجة للأنبياء ألزم ، فاذا قبلت توبتهم كان قبولها من غيرهم أسرع ، وقيل : إنما ابتلاهم الله بالذنوب ليتفرد بالعزة والطهارة يوم الحساب ويلقاه جميع الخلق فيه على انكسار المعصية (٣) ، قيل : لم يذكر في القرآن توبة يوسف وذكر توبة من سواه من الأنبياء الذين صدرت منهم المعصية وإن صغرت فذلك يدل على عدم معصيته (٤).
قوله (٥)(كَذلِكَ) أي الأمر كذلك أو يتعلق بمحذوف ، أي فعلنا له مثل ذلك الفعل ، يعني من إظهار البرهان (لِنَصْرِفَ عَنْهُ) أي عن يوسف (السُّوءَ) أي الإثم وهو خيانة السيد (وَالْفَحْشاءَ) أي الزنا (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [٢٤] بفتح اللام ، أي المختارين وبكسرها (٦) ، أي المطيعين بالإخلاص لله في العبادة.
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦))
(وَاسْتَبَقَا) أي أسرعا متوجهين (الْبابَ) أي الباب الخارج ، أما يوسف فللهرب منها وأما هي فلمنعه عن الخروج (٧) ، فأدركته من خلفه فتعلقت بقميصه فجذبته إليها لئلا ينخرج من الباب (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) أي وشقته (٨)(مِنْ دُبُرٍ) أي من خلف (وَ) لما خرجا (أَلْفَيا) أي وجدا (سَيِّدَها) وهو زوجها قطفير العزيز ولم يقل سيدهما لعدم صحة ملك يوسف (لَدَى الْبابِ) أي عنده جالسا مع ابن عم لزليخا ، فلما رأته هابته (قالَتْ) سابقة بالقول (٩) لزوجها تنزيها لنفسها (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) أي ليس عقاب من قصد بزوجك الزنا ، ويجوز أن يكون (ما) استفهامية بمعنى أي شيء جزاؤه ، ثم خافت عليه أن يقتله فقالت (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) أي يحبس في السجن (أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [٢٥] أي ضرب بالسياط ، وإنما لم تصرح بذكر يوسف ، وإنه أراد بها سوء ، لأنها قصدت العموم مبالغة في تخويف يوسف ، فلما سمع يوسف مقالتها (قالَ) بناء على قولها ما جزاء من أراد الآية دفعا عن نفسه التهمة (هِيَ راوَدَتْنِي) أي طلبت (عَنْ نَفْسِي) الفاحشة فأبيت وفررت منها (وَشَهِدَ شاهِدٌ) أي قال قائل (مِنْ أَهْلِها) وهو أخوها أو ابن عمها أو كان الشاهد صبيا في المهد أنطقه الله تعالى فقال (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) أي شق (مِنْ قُبُلٍ) أي من قدامه (فَصَدَقَتْ) زليخا (وَهُوَ) أي يوسف (مِنَ الْكاذِبِينَ) [٢٦] لأنه إذا طلبها (١٠) دفعته عن نفسها فشقت قميصه من قدامه.
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧))
(وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أي خلفه (فَكَذَبَتْ) زليخا (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [٢٧] لأنها إذا تبعته تعلقت بقميصه لتلحقه وتجذبه إليها فشقته ، وسمي القول شهادة ولا شهادة ثم ، لأنه يقوم مقام الشهادة في ثبوت صدق يوسف وكذبها ، وأورد (كانَ) للمضي بعد (إِنْ) للاستقبال ليعلم أنه كان قميصه قد من قبل (١١) كما تقول لمن يمن عليك إن أحسنت إلي فقد أحسنت إليك (١٢) من قبل.
__________________
(١) نقله عن الكشاف ، ٣ / ٧٠ ـ ٧١.
(٢) انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٢.
(٣) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٧٢.
(٤) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ٧١.
(٥) قوله ، ب : ـ س م.
(٦) «المخلصين» : قرأ المكي والبصريان والشامي بكسر اللام ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ١٦٢.
(٧) عن الخروج ، ب س : من الخروج ، م.
(٨) أي وشقته ، س : أي شقته ، ب م.
(٩) بالقول ، ب س : القول ، م.
(١٠) طلبها ، ب م : طلبه ، س.
(١١) قد من قبل ، س : قد قبل ، ب.
(١٢) كما تقول لمن يمن عليك إن أحسنت إلى فقد أحسنت إليك ، ب س : ـ م.