(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨))
(فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ) أي الزوج أو ابن العم قميص يوسف (قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) أي مشقوقا من خلفه عرف خيانة امرأته وبراءة يوسف (قالَ) لها (إِنَّهُ) أي قد القميص أو قولك (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً)(١) الآية (مِنْ كَيْدِكُنَّ) أي مكركن وعملكن يا معاشر النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [٢٨] يخلص إلى البريء والسقيم.
(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩))
(يُوسُفُ) أي يا يوسف قاله الشاهد أو الزوج بحذف حرف النداء (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي عن هذا الأمر لا تذكره لأحد حتى لا يشيع ، فقد بان عذرك وبراءتك ، ثم قال لزليخا (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) أي توبي إلى الله من عملك القبيح (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) [٢٩] أي من المتعمدين (٢) الذنب وذكره بالتذكير تغليبا للذكور ، وقيل : معناه اسألي من زوجك أن لا يعاقبك حين خنته بمرادك شابا عن نفسه (٣).
(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠))
(وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) وهن خمس نسوة من أتباع الملك بمصر ، امرأة حاجبه وامرأة أمير الدواب وامرأة الخباز وامرأة الساقي وامرأة صاحب السجن ، وقيل : هن من أشراف مصر (٤) وكن أربعين ، قلن (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ) أي تطلب (فَتاها) أي غلامها (عَنْ نَفْسِهِ) لقضاء شهوتها منه (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أي أصاب حبه شغاف قلبها ، وهو غلامه وحجابه فحيرها حتى لا تعقل غيره (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٣٠] أي في خطأ ظاهر من حب عبدها ، وقيل : في عشق مزيل لعقلها لا تصبر عنه (٥).
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢))
(فَلَمَّا سَمِعَتْ) زليخا (بِمَكْرِهِنَّ) أي بغيبتهن لها وإفشائهن سرها بعد أن استكتمتهن ذلك ، وسمي الاغتياب مكرا ، لأنه في خفية من المغتاب كالمكر من الماكر (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) أي دعتهن إليها (وَأَعْتَدَتْ) أي هيأت (لَهُنَّ مُتَّكَأً) وهو ما يتكأ عليه من وسائد وطعام لضيافتهن وليريهن يوسف وحسنه لتعتذر فيه لعلمها أنهن إذا رأينهن دهشن به ، وقيل : المتكأ هو الأترج بلغة الحبشة (٦) ، وقيل : «كل شيء يقطع بالسكين» (٧) ، روي : أنها زينت بيتها بألوان الفرش والوسائد وألوان الفواكه والأطعمة ، ودعت النسوة (٨) ، فجئن إلى بيتها ، فلما جلس مجالسهن جاءت (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) لقطع ما في أيديهن من الأترجة أو الزماورد وهو الرقاق الملفوف المملوء باللحم ، ويروي بفتح الزاء وتخفيف الميم وتشديده أو لجز اللحم للأكل بالسكين وأمرت يوسف أن يلبس أحسن الثياب ، وأجلسته في موضع آخر ، ثم أمرتهن بالأكل فشرعن يأكلن ويقطعن الطعام بالسكين (وَقالَتِ) ليوسف (اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) فخرج ، «وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم» ، قاله عكرمة (٩) ، وكان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألأ وجهه على الجدران ،
__________________
(١) يوسف (١٢) ، ٢٥.
(٢) أي من المتعمدين ، م : أي المعتمدين ، ب س.
(٣) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٢٧٦.
(٤) نقله عن البغوي ، ٣ / ٢٧٧.
(٥) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٧٨.
(٧) عن عكرمة ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٦٠ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٧٨.
(٨) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٢٧٨.
(٩) انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٨.