قيل : ورث الحسن من جدته سارة وهي من حواء (١)(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ) أي يوسف (أَكْبَرْنَهُ) أي أعظمنه ، قيل : «هالهن أمره» (٢) ، وصرن مدهوشات طائرة عقولهن أو حضن في تلك الساعة ، يقال أكبرت المرأة إذا حاضت (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) أي جرحنها لما رأينه دهشا ، يعني ما أحسن إلا بالدم ، وروي : «أن جماعة منهن ماتت» (٣) بالنظر إلى وجهه (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) بألف في الوصل ، وبحذف الألف في الوقف ، وبحذفها في الحالين تخفيفا (٤) ، وهو تنزيه لله أن يجري على يوسف ما نقل عنه ، ثم رفعن قدره عن البشرية فقلن (ما هذا بَشَراً) وإعمال (ما) عمل «ليس» حجازي ، أي مثل هذا لا يكون آدميا (إِنْ هذا) أي ما هذا الغلام (إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [٣١] على ربه ، يعني أنه من جنس الملائكة لا من جنس البشر مع علمهن أنه بشر لما ثبت في عرف الناس أنهم إذا وصفوا الإنسان بالحسن شبهوه (٥) بالملك (٦) ، إذ لا أكمل ولا أحسن خلقا من الملك عندهم ، فثم (قالَتْ) زليخا توبيخا لهن (فَذلِكُنَّ) أي فهذا المشار إليه لديكن ، يعني يوسف (الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي في حبه ولم يقل فهذا مع حضوره لديهن تعظيما لقدره أو أشارت إليه بعد ذهابه عنهن ، ثم صرحت بما فعلت بعد ظهور عذرها لهن فقالت معترفة ببراءة يوسف (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي امتنع وطلب العصمة من الله تعالى مبالغة في الامتناع ، ثم أمرته بطاعتها بقولها (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) أي الذي آمره أن يفعل من قضاء شهوتي ، فالضمير في (آمُرُهُ) راجع إلى الموصول لا إلى يوسف لئلا يبقي بلا عائد ، ويجوز أن يجعل (ما) مصدرية فيرجع الضمير إلى يوسف ، أي لئن لم يفعل أمري إياه ، أي مقتضى أمري (لَيُسْجَنَنَّ) بالتخفيف والتشديد (٧) ، أي ليعاقبن بالسجن (وَلَيَكُوناً) بالألف في الخط لموافقة الإمام (مِنَ الصَّاغِرِينَ) [٣٢] أي الذليلين ، يعني إن لم يطعني فيما دعوته إليه لأذللته ، قيل : جعلت الذل في حقه تهديدا لفرط محبتها إياه (٨).
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤))
(قالَ) يوسف عند ذلك (رَبِّ) أي يا رب (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وجمعهن ، لأنهن زين له طاعة (٩) مولاته أو لأنهن دعون إلى أنفسهن وهو أحب من سكنى (١٠) السجن على قضاء حاجتهن بالمعصية نظرا إلى خوف العاقبة ونيل الكرامة بحسن الصبر على احتمالها لوجه الله مع اقتضاء الطبع البشري قضاء حاجتهن ، ثم قال (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ) أي إن لم ترد يا رب عن نفسي شرهن (أَصْبُ) أي أمل (إِلَيْهِنَّ) من صبا إلى كذا إذا مال واشتاق إليه (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) [٣٣] بالمتابعة إلى ما يدعونني إليه من الزنا ، قيل : هذا القول متضمن معنى الدعاء (١١) ، وهو اللهم اصرف عني كيدهن ، ولذا قال (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) فيما دعاه (فَصَرَفَ عَنْهُ) أي عن يوسف (كَيْدَهُنَّ) أي شرهن (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) للدعاء فيما دعاه يوسف (الْعَلِيمُ) [٣٤] بحاله وحالهن.
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ) أي ظهر لزوجها العزيز وزليخا رأي وهو السجن ، ففاعل (بَدا) مضمر فيه يفسره قوله (لَيَسْجُنُنَّهُ) بعده ، روي : أن المرأة قالت لزوجها وهو جميل (١٢) ذلول لها إن هذا العبد العبري فضحني بخبر
__________________
(١) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٧٤.
(٢) عن أبي العالية ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٨.
(٣) عن وهب ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٧٨.
(٤) «حاش لله» : قرأ البصري بألف بعد الشين وصلا ، والباقون بالحذف ولا خلاف بين العشرة في حذف الألف وقفا اتباعا لرسم المصحف. البدور الزاهرة ، ١٦٣.
(٥) شبهوه ، ب س : شبهوا ، م.
(٦) بالملك ، س : الملك ، ب م.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٨) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٩) طاعة ، ب م : لطاعة ، س.
(١٠) من سكنى ، س : سكنى ، ب م.
(١١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٢) جميل ، س : جمل ، ب م.