همي به في زعمه بين الناس ، فحقه أن تحبسه مدة (١) ، فأجمعوا على ذلك (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) أي العلامات الدالة على براءة يوسف من شق بالقميص من خلفه ، وكلام الشاهد الصغير أو قضاء ابن عمها بالحق وقطع الأيدي (لَيَسْجُنُنَّهُ) أي ليحبسن العزيز وأهله يوسف (حَتَّى حِينٍ) [٣٥] أي إلى مدة ينقطع كلام الناس في ذلك ، وقيل : «خمس سنين» (٢) ، وقيل : «سبع سنين» (٣) ، وغرضها جعلها ذليلا بالسجن كما قالت من قبل لما آيست من طاعته لها ، روي : أن يوسف انما سجن لطلبه السجن بقوله (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ)(٤) ، وإن سأل العافية عافاه الله والأولى بالمرء أن يسأل الله العافية عافاك الله وإيانا في الدارين ، وقيل : إن الله قد حبسه تطهيرا ليوسف من همه بالمرأة (٥).
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦))
(وَدَخَلَ مَعَهُ) نصب على الحال (٦) ، أي مصابحين ليوسف (السِّجْنَ فَتَيانِ) وهما عبدان للملك ، أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه ، وكان المصريون أعطوهما رشوة ليسما الملك في طعامه وشرابه ، فأبى الساقي وقيل الخباز فسم الطعام ، فلما أحضروا الطعام قال الساقي للملك : لا تأكل من هذا الطعام ، فانه مسموم ، وقال الخباز : لا تشرب ، فان الشراب مسموم ، فقال الملك للساقي : اشرب فشرب فلم يضره ، وقال : للخباز كل من طعامك فأبي ، فأمر تجربة بأن يأكله دابة فأكلت فهلكت ، فأمر الملك بحبسهما غضبا عليهما ، وكان يوسف عند دخوله السجن قال للناس : أنا أعبر الأحلام لنشر علمه (قالَ أَحَدُهُما) وهو الساقي ليوسف (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) أي عنبا بلغة عمان بالتخفيف ، وقيل : سمي «خمرا» باسم ما يؤول إليه (٧) ، وذلك أنه قال إني رأيت كأني في بستان فاذا بكرمة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها ، وكأن كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه (وَقالَ الْآخَرُ) وهو الخباز (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) في ثلاث سلال مع ألوان الأطعمة (تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) أي من الخبز الذي فوق رأسي (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) أي أخبرنا عن تعبير ما قصصنا عليك وتفسيره وعاقبة أمر هذا (٨) الرؤيا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٣٦] أي العالمين بتعبير الرؤيا أو من الصادقين في القول أو من العاملين بالإحسان ، وقيل : من إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له شيئا ، وكان مع هذا يجتهد في العبادة ويقوم الليل كله للصلوة ، ويقول لأهل السجن أبشروا واصبروا تؤجروا ، فيقولون بارك الله فيك يا فتى ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك ، لقد بورك لنا في جوارك ، فمن أين أنت يا فتى؟ قال : أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله اسحق بن إبراهيم خليل الله ، فقال له عامل السجن : يا فتى والله لو استطعت لخليت سبيلك ولكني أسحسن جوارك تمكن في أي بيوت السجن شئت ، فلما قصا عليه الرؤيا كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما ، فأعرض عن سؤالهما وشرع في إظهار المعجزة والدعوة إلى التوحيد (٩).
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧))
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ) من منازل لكما (تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما) أي أخبرتكما (بِتَأْوِيلِهِ) أي ببيان ماهية الطعام
__________________
(١) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٢ / ١٦١ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٨١.
(٢) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٦١ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٨١.
(٣) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٣ / ٢٨١.
(٤) لعله اختصره من السمرقندي ، ٢ / ١٦٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
(٥) أخذه عن البغوي ، ٣ / ٢٨١.
(٦) نصب على الحال ، ب س : ـ م.
(٧) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٧٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٢ / ١٦١.
(٨) هذا ، س م : ـ ب.
(٩) نقله المؤلف عن البغوي ، ٣ / ٢٨٢ ، ٢٨٣.