الذي يأتيكما في اليقظة وبقدره وألوانه والوقت الذي يصل إليكما (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) وإن رأيتما ذلك في النوم أخبرتكما بما يؤول إليه أمره وهذا كمعجزة عيسى عليهالسلام حيث قال (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ)(١) فيجدانه كما أخبرهما ، وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد ويزينه لهما ويقبح فيهما الشرك بالله ، وهذا طريقة كل عالم ناصح لله ، فقالا : هذا فعل العرافين والكهنة وأنت لست بعراف ولا كاهن ، فمن أين لك هذا العلم؟ قال يوسف (ذلِكُما) أي هذا العلم (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) به بالوحي لا بالتكهن والتنجم ، ثم أراد أن يبين علامة نبوته لهما ليسلما فقال (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي بتوحيده عني بهؤلاء أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) [٣٧] أي بالبعث جاحدون ، وكرر (هُمْ) تأكيدا ، وقدمه تخصيصا للجحد بهم.
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨))
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أي دين هؤلاء وهو التوحيد (ما كانَ) أي ما صح (لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) من الآلهة ، لأنه عصمنا من الشرك (ذلِكَ) أي التوحيد والعلم بالله (مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) أي على (٢) المؤمنين بارسال الأنبياء وبيان الهدى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي أهل مصر (لا يَشْكُرُونَ) [٣٨] نعمة الله التي هي الإسلام بل يكفرونها.
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩))
ثم دعاهما إلى الإسلام فقال (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) أي ساكنيه أو يا صاحبي في السجن أراد الساقي والخباز لكون السجن مصحوبا فيه ، فأضافهما إليه بأدنى ملابسة (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ) أي آلهة متفرقة هذا من ذهب وهذا من فضة وهذا من حديد ، وهذا أعلى وهذا أدنى وهذا أوسط ، متباينون لا تضر ولا تنفع (خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ) أي الإله الذي لا ثاني له (الْقَهَّارُ) [٣٩] أي الذي لا يغلب عليه أحد ، وهو غالب على الكل ، إن شاء يحييهم وإن شاء يميتهم.
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠))
ثم قال لهما ولمن على دينهما (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله (إِلَّا أَسْماءً) لا مسميات تحتها (سَمَّيْتُمُوها) آلهة (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) أي بتلك الأسماء (مِنْ سُلْطانٍ) أي برهان (٣) في عبادتكم إياها (إِنِ الْحُكْمُ) أي ما القضاء فيكم (إِلَّا لِلَّهِ) أي في الدنيا والآخرة ، ثم بين الحكم بقوله (أَمَرَ) في الكتاب (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي لا توحدوا إلا الله (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي التوحيد ، وهو الدين المستقيم الذي دلت على البراهين من الله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أي أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ) [٤٠] أي دين (٤) الله (٥) هو التوحيد أو ما لهم وعليهم من الثواب والعقاب.
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١))
ثم شرع في تعبير رؤياهما بعد ما نصحهما فقال (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) وهو الساقي (فَيَسْقِي) أي فيخرج بعد ثلاثة أيام من السجن ويسقي (رَبَّهُ) أي الملك (خَمْراً) كما كان يسقيه (وَأَمَّا الْآخَرُ) وهو الخباز
__________________
(١) آل عمران (٣) ، ٤٩.
(٢) على ، س : ـ ب م.
(٣) برهان ، س : برهانا ، ب م.
(٤) أن دين ، ب : أي دين ، س م.
(٥) الذي ، + س.