(فَيُصْلَبُ) أي فيخرج بعد ثلاثة أيام يبقي في السجن ويصلب (فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) ففسر العناقيد الثلاثة بثلاثة أيام (١) يبقى في السجن للساقي ، وفسر السلال الثلاثة بثلاثة أيام يبقي في السجن للخباز ، فلما سمعا قول يوسف قالا : إنا كنا نلعب أو قالا : ما رأينا شيئا ، فقال يوسف (قُضِيَ الْأَمْرُ) أي تم وقطع أمركما (٢)(الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) [٤١] أي تسألان في معناه من أن عاقبته هلاك أو نجاة سواء صدقتما أو كذبتما ، فالأمر في الظاهر واحد وفي المعنى اثنان (٣).
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢))
(وَقالَ) يوسف (لِلَّذِي ظَنَّ) أي علم (أَنَّهُ ناجٍ) أي ينجو من السجن وهو الساقي (مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي سيدك الملك وقل (٤) له إن في السجن غلاما محبوسا ظلما طال حبسه (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) أي وسوس إليه بما شغله عن ذكره له ، وإنما أولناه بالوسوسة لأن الإنسان لا يقدر عليه الشيطان ، بل القادر عليه هو الله تعالى ، وأضاف الذكر إلى المفعول الغير الصريح بمعنى أنسى الساقي الشيطان أن يذكر يوسف لربه أو عند ربه الملك ، فجاز هذه الإضافة بأدنى ملابسة وإنما أنساه ذلك ، لأن يوسف لم يستغث بالله بل استغاث بالملك أو المعنى أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه الخالق حتى ابتغى الفرج من غيره المخلوق ، وإنما أنكر على يوسف استعانته (٥) بغير الله في كشف الضر عنه مع جوازه في الشرع ، قال تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى)(٦) ، وقال على السّلام : «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم» (٧) ، لأن الأحسن والأولى بالنبي أن لا يكل أمره إذا ابتلي ببلاء إلا إلى ربه عز شأنه (فَلَبِثَ) أي مكث (فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [٤٢] وأكثر الأقاويل أنه سبع سنين ، وقيل : «إنه ما بين الثلاث إلى التسع» (٨) أو «من واحد إلى التسع» (٩) ، قيل : «لو لم يستغث يوسف على غير الله تعالى لما لبث في السجن طول ما لبث» (١٠) ، وروي : أن الله قال له أحسبت أني أنساك في السجن حتى استغثت بغيري وأنا أقرب إليك وأقدر على خلاصك لتلبثن فيه بضع سنين (١١) ، قيل : فيه دليل أن الأنبياء يعاتبون على الصغائر معاتبة غيرهم على الكبائر وتلك الصغيرة غفلة بكلمة واحدة عرضت ليوسف من الشيطان فلبث ما لبث في السجن إذ الأولى بالنبي أن لا يكل أمره إلى غير الله (١٢) ، ولما قرب خروج يوسف رأى الملك الأكبر وهو ريان في المنام رؤيا عجيبة هالته ولم يعلم تأويلها.
(وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣))
(وَقالَ الْمَلِكُ) لأشراف مجلسه (إِنِّي أَرى) أي رأيت في المنام (سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ) جمع سمينة (١٣) ، صفة (بَقَراتٍ) لقصد تمييز «السبع» بنوع من البقرات ، وهي السمان منهن لا بجنسهن فقط ، ولو نصبت «سمانا» صفة ل (سَبْعَ) لكان القصد تمييز «السبع» بجنس البقرات ، وهي (١٤) لا بنوع منها ، ووصف المميز الذي هو
__________________
(١) بعد أن ، + س.
(٢) أمركما ، م : أمر مرئيتكما ، ب ، أمراكما ، س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٧٧.
(٣) فالأمر في الظاهر واحد وفي المعنى اثنان ، ب س : ـ م.
(٤) وقل ، ب س : وقيل ، م.
(٥) استعانته ، ب م : استغاثته ، س.
(٦) المائدة (٥) ، ٢.
(٧) رواه الترمذي ، الحدود ، ٣ ، والبر ، ١٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٧٨.
(٨) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٦٣ ؛ والبغوي ، ٣ / ٢٨٦ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ٩ / ١٩٧ (عن الهروي).
(٩) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٠) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ٢ / ١٦٣ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ٩ / ١٩٦.
(١١) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٣) سمينة ، ب م : سمين ، س.
(١٤) وهي ، م : ـ ب س.