السبع بالسمن ، يعني رأيت تلك البقرات السمان خرجن من بحر النيل (يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) أي سبع بقرات هزلى في غاية الهزال خرجن من النيل بعدهن ، يعني ابتلعت العجاف السمان فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيء (١) ، ولم يظهر على العجاف منهن شيء ، وال (عِجافٌ) جمع عجفاء وأعجف ، وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال لكنه حمل على سمان ، لأنه نقيضه وهم يحملون النقيض على النقيض كما يحملون النظير على النظير ، ولم يقل «سبع عجاف» بالإضافة ، لأن التمييز لبيان الجنس ، وال (عِجافٌ) ليس بجنس بل هو وصف ، وهو لا يقع بيانا لشيء إلا إذا أجري مجرى الاسم كقولك خمس فرسان (وَ) أرى (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) قد انعقد حبها (وَ) أرى سبعا (أُخَرَ يابِساتٍ) قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن فلم يبق منهن شيء ، ف (أُخَرَ) نصبه (٢) ، صفة ل (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ) ، ويجوز أن يكون صفة ل (سُنْبُلاتٍ) بالعطف على (خُضْرٍ) ، ولا يجوز أن يعطف على (سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ) ، فيكون مجرور المحل (٣) ، أي على المميز ، لأنه يؤدي إلى تدافع الحكمين ، إذ العطف عليها يقتضي أن يكون (أُخَرَ) معها مميزا ل «السبع» المذكور ، ولفظ ال (أُخَرَ) يقتضي أن يكون غير السبع وهو فاسد ، ثم قال (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي) أي فسروا لي (فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [٤٣] أي تفسرون ، واللام للبيان.
(قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤))
(قالُوا) رؤياك (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) جمعان ، جمع ضغث وهو الحزمة من النبات ، وجمع حلم ما يري في النوم ، أي مربوطات الأحلام المختلطة لا يصح تأويلها ، والإضافة فيها بمعنى «من» ، أي أضغاث من أحلام ، وإنما جمع مع أن ما رأي حلم واحد ، لأنه أريد زيادة في وصف الحلم بالبطلان فهو من قبيل فلان يركب الأفراس وما يركب إلا فرسا واحدا (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ) المختلطة (بِعالِمِينَ) [٤٤] لبطلانها عند المعبرين.
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦))
(وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما) من القتل وهو الساقي (وَادَّكَرَ) أي تذكر قول يوسف اذكرني عند ربك (بَعْدَ أُمَّةٍ) أي بعد مدة طويلة ، وهي سبع سنين (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) فجثا بين يدي الملك ، وقال إن في السجن رجلا يعبر الرويا (فَأَرْسِلُونِ) [٤٥] أي أرسلني أيها الملك إليه وإنما خاطبه بلفظ الجمع تعظيما له كما يخاطب الملوك به ، يعني ابعثوني إليه لأستعبره في السجن (٤) «ولم يكن السجن في المدينة يومئذ» ، قاله ابن عباس (٥) ، ووصف للملك تعبير يوسف الرؤيا وصدق تعبيره وأخبره بحال يوسف وعلمه وحكمته كما ينبغي ، فأرسله إليه فأتى السجن ، فلما دخل عليه اعتذر إليه بما أنساه الشيطان ذكر ربه ، فقال (يُوسُفُ) أي يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) وهو كثير الصدق ، وإنما قاله لأنه تعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أول (٦)(أَفْتِنا) أي أخبرنا عن رؤيا الملك (فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) أي هزلى (وَ) في (سَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ) سبع (أُخَرَ يابِساتٍ) فان الملك رأى في المنام هذه الرؤيا ، وما عبرها أحد من أهل مصر (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ) أي إلى الملك وأصحابه من غير صارف لي في الطريق (لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) [٤٦] تأويله هذه الرؤيا أو يعلمون قدرك ومنزلتك من العلم والفهم ، فيكون ذلك سببا لخلاصك من السجن ، فعبر يوسف رؤياه وهو في السجن.
__________________
(١) يعني ، + س.
(٢) «سنبلات خضر» معا : أخفى التنوين في الخاء مع الغنة أبو جعفر وأظهر غيره. البدور الزاهرة ، ١٦٣.
(٣) فيكون مجرور المحل ، م : فيكون ، ب ، ـ س.
(٤) يعني ابعثوني إليه لأستعبره في السجن ، ب س : ـ م.
(٥) انظر البغوي ، ٣ / ٢٨٨ ؛ والكشاف ، ٣ / ٨٠.
(٦) وإنما قاله لأنه تعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أول ، ب س : ـ م.