بنيامين في حال صغره ، قيل : «كان لجدة أبي أمه صنم يعبده فأخذه سرا فكسره وألقاه في الطريق لئلا يعبد» (١) ، وقيل : «أخذ دجاجة من بيت يعقوب فأعطاها سائلا» (٢) ، وقيل : «كان يوسف عند عمته بالحضانة (٣) بعد موت راحيل أمه وكانت تحبه حبا شديدا لا تصبر عنه ، فلما شب أراد يعقوب أن ينزعه (٤) منها (٥) فأخذت منطقة إسحق التي توارثت منه ، لأنها كانت أكبر ولد إسحق ، وهم كانوا يتوارثون بالكبر فشدتها على وسط يوسف تحت ثيابه وهو نائم ، وقالت لأهلها : فقدت المنطقة ، فلما ذهب إلى أبيه يعقوب بعد ما شب طلبت المنطقة فوجدتها في وسطه ، فقالت : يا يعقوب إن لي يوسف عبدا ، لأنه سرق منطقتي (٦) ، وكان في شريتهم استرقاق السارق ، فقال يعقوب : إن كان كذلك فهو مسلم لك فأمسكته حتى ماتت» (٧) ، فلذلك قالوا فقد سرق أخ له من قبل (فَأَسَرَّها) أي أضمر كلمتهم (يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) وهي إنه (سَرَقَ أَخٌ لَهُ) عنوا به يوسف (وَلَمْ يُبْدِها) أي لم يصرح بالكلمة (لَهُمْ قالَ) يوسف (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) نصب على التمييز ، أي منزلة عند الله ممن رميتموه بالسرقة ، لأن سرقتكم ظهرت وسرقته لم تظهر ، وقيل : إن في قوله (فَأَسَرَّها) إضمارا على شريطة التفسير ، وهو أنتم شر مكانا وإنما أنثه بتأويل الكلمة أو الجملة (٨) ، وقوله (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) بدل من (فَأَسَرَّها) ، فالمعنى : أنه لم يصرح لإخوته قوله ب (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) ، بل قاله في نفسه (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) [٧٧] أي بما تقولون من الكذب ، يعني يعلم أن وصفكم كذب ، لأنه لم يصح لي ولا لأخي سرقة. فليس الأمر كما تصفون.
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨))
(قالُوا) استعطافا منه بذكر حال أبيهم يعقوب عنده (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ) أي لبنيامين (أَباً شَيْخاً كَبِيراً) أي كبير السن أو كبير القدر وإنه أحب إليه منا ، وإنه كان مستأنسا به بدل أخيه الهالك (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) أي بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٧٨] في أفعالك فلا تغير عادتك أو المحسنين إلينا بتوفية الكيل والفضل وحسن الضيافة ورد البضاعة ، فأتمم إحسانك إلينا كما قلنا لك به.
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩))
(قالَ) يوسف (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله معاذا من (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ولم يقل «سرق» تحرزا من الكذب (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) [٧٩] ف (إِذاً) جواب لهم وجزاء ، لأن المعنى : إن أخذنا بريئا غير مجرم (٩) لظلمنا على قضية شريعتكم بأخذ غير السارق مكان السارق أو لأن الله أمرني بالوحي إلى أن أخذ بنيامين لمصالح كثيرة علمها في ذلك ، فلو أخذت غير المأمور لكنت ظالما وعاملا على خلاف الوحي.
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١))
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا) أي آيسوا ، وزيادة السين والتاء (١٠) للمبالغة في القنوط (مِنْهُ) أي من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوا (خَلَصُوا) أي اعتزلوا وانفردوا عن يوسف وسائر الناس (نَجِيًّا) أي متناجين في الخلوة ، يعني يتشاورون لا يخالطهم غيرهم ، والنجي مصدر جعل نعتا كالعدل ، وهو يصلح للواحد والجماعة والذكر والأنثى (قالَ
__________________
(١) عن سعيد بن جبير وقتادة ، انظر البغوي ، ٣ / ٣١٠.
(٢) عن سفيان بن عيينة ، انظر البغوي ، ٣ / ٣١٠.
(٣) بالحضانة ، ب س : ـ م.
(٤) ينزعه ، س : ـ ب م.
(٥) لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينزعه منها ، ب س : ـ م.
(٦) لأنه سرق منطقتي ، ب س : ـ م.
(٧) عن محمد بن إسحاق ، انظر البغوي ، ٣ / ٣١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٣ / ٨٨ ـ ٨٩.
(٨) أخذه عن الكشاف ، ٣ / ٨٩.
(٩) بريئا غير مجرم ، س : بريئا بمجرم ، ب م.
(١٠) فيه ، + س.