كَبِيرُهُمْ) في العقل والعلم لا في السن وهو يهوذا ، وقيل : «هو شمعون وكان له الرياسة على إخوته» (١)(أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً) أي عهدا (مِنَ اللهِ) ولم تحفظوا عهد أبيكم (وَ) ألم تعلموا (مِنْ قَبْلُ) أي قبل هذه الحالة (ما فَرَّطْتُمْ) أي تفريطكم ، أي تقصيركم (فِي يُوسُفَ) أي في شأنه من الخيانة العظيمة (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) أي فلن أفارق أرض مصر التي وقعت النائبة له فيها (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) بالخروج منها ويدعوني (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) بالخروج من مصر وترك أخي أو بخلاص أخي من يد الملك بسبب من الأسباب أو يحكم الله لي بالسيف فأقاتلهم وأسترد أخي (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) [٨٠] أي أعدل العادلين وأقضى القاضين في الحكم.
قيل : في القصة أنهم غضبوا شديدا لهذه الحالة ، فقال منهم روبيل وكان إذا غضب لم يقم لغضبه شيء ، وإذا صاح صيحة ألقت كل امرأة حامل سمعت صوته ولدها ، وكان إذا مسه أحد من أولاد يعقوب سكن غضبه : كم عدد الأسواق بمصر؟ قالوا : عشرة ، فقال : اكفوني أنتم وأنا أكفيكم الملك أو عكس ذلك ، فدخلوا على يوسف ، فقال روبيل : لتردن علينا أخانا أو لأصيحن صيحة لا تبقي بمصر حامل إلا ألقت ولدها ، فقال يوسف لابن له صغير بعد رؤية غضبه وقيام كل شعرة في جسده خرجت من ثيابه : قم إلى جنب روبيل فمسه وذهب إلى جنبه وهو لا يعلمه (٢) فمسه فسكن غضبه ، فقال روبيل : إن ههنا لبذرا من بذر يعوقب ، فقال يوسف : من يعقوب؟ فغضب ثانيا ، فقام يوسف إليه فركضه برجله وأخذ بتلابيبه فأوقعه على الأرض ، فقال أنتم معشر العبرانيين تحسبون أن لا أحد أشد منكم قوة ، ولما صار أمرهم إلى هذا خضعوا وذلوا ، فقالوا : يا أيها العزيز (إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) إلى قوله (الْحاكِمِينَ)(٣) ، ثم قال يهوذا (٤)(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ) بنيامين (سَرَقَ وَما شَهِدْنا) أي ما قلنا لك (إِلَّا بِما عَلِمْنا) وليست هذه شهادة قطعية منا على سرقته ، إنما هو خبر عن ضيع ابنك ، لأنا رأينا الصواع قد أخرج من رحله وحسبك بهذا شاهدا (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ) أي لما غاب من أموره في ليلة ونهاره (حافِظِينَ) [٨١] أي ما علمنا أنه سرق بالصحة أم دس الصواع بالليل في رحله ولم يشعره ، يعني لم نطلع على أنه سرق ولكنهم سرقوه.
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢))
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) أي أهلها وهي قرية من قرى مصر ، كانوا ارتحلوا منها إلى مصر (وَ) اسأل (الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) أي القافلة التي كنا فيها وصحبناهم ، وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [٨٢] في قولنا.
قيل : كيف استجاز يوسف أن يعمل هذا العمل بأبيه وإخوته مع وفور علمه ، وفيه معنى العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة ، أجيب بأنه عمل ذلك بالوحي ليزيد في بلاء يعقوب وتضاعف له الأجر ويلحقه في الدرجة بآبائه الماضين ، فرجعوا إلى أبيهم يعقوب بذلك القول فاتهمهم يعقوب.
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣))
(قالَ) يعقوب لبنيه (بَلْ سَوَّلَتْ) أي سهلت وزينت (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) وهو حمل أخيكم إلى مصر لطلب نفع عاجل (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فعلي صبر حسن من غير جزع لا شكوى فيه إلى أحد (عَسَى اللهُ) أي لعله (أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) أي يوسف وبنيامين وأخاهم المقيم بمصر لأجلكم (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بحزني ووجدي على فقدهم (الْحَكِيمُ) [٨٣] في ابتلائي لحكمة ومصلحة وتدبير ردهم علي.
__________________
(١) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ٢ / ١٧٢.
(٢) لا يعلمه ، ب : لا يعلم ، س م.
(٣) نقله عن البغوي ، ٣ / ٣١١.
(٤) راجع في هذا الموضوع إلى تفسير قوله «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» ، رقم الآية (١٠١) من سورة يوسف.