(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢))
(وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على طاعة الله وعلى المصائب وعلى أذى الكفار والمنافقين وعن المعاصي (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي لطلب مرضات الله (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي أتموها في مواقيتها (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (سِرًّا) في النوافل دفعا للرياء (وَعَلانِيَةً) في الفرائض نفيا للتهمة وطلبا لاقتداء الغير بهم (وَيَدْرَؤُنَ) أي يدفعون (بِالْحَسَنَةِ) أي بصالح العمل (السَّيِّئَةَ) أي السي من العمل كقوله (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(١) ، قال عليهالسلام : «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها السر بالسر والعلانية بالعلانية» (٢) ، وقيل : «معناه يدفعون الذنب بالتوبة ويدفعون الشر بالخير ولا يكافئون الشر بالشر» (٣) ، قيل : «هذه ثمان خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة» (٤)(أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) [٢٢] أي أهل هذه الخلال عاقبتهم دار الثواب.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤))
ثم بين تلك الدار بقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي بساتين إقامة (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) أي من أطاع الله ورسوله بالإيمان وعمل الخير (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) أي يدخلون الجنة بجميع أهليهم تكميلا لفرحهم ، وفيه إعلام بأن الأنساب لا تنفع إذا تجردت من الأعمال الصالحة (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) [٢٣] من أبواب الجنة أو من أبواب القصور يقولون (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) منا أي سلمكم الله من الآفات التي كنتم تخافون منها ، قيل : «يدخلون عليهم في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف من الله ، يقولون سلام عليكم» (٥)(بِما صَبَرْتُمْ) على أمر الله وطاعته ، يعني هذا الثواب والاستراحة والتنعم الأبدي لكم في هذه الدار بسبب صبركم على المشاق والمتاعب في الدنيا (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [٢٤] أي نعم العاقبة الجنة التي تدورون فيها أبدا.
(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥))
ثم بين حال الكفار وما أعد لهم من العقاب فقال (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) أي بعد تأكيده وتغليظه بالإقرار والإشهاد على التوحيد يوم الميثاق (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) وهو صلة الأرحام ، وقيل : الإيمان بالأنبياء وكتبهم وهم يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض (٦)(وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي يعملون بالمعاصي من الكبائر أو يدعون إلى عبادة غير الله تعالى (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي الطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [٢٥] أي سوء المنقلب وهو النار ، لأن منقلب الناس دورهم.
(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦))
ثم نزل فيمن يفرح بالدنيا ويفتخر ويغتر بها (٧)(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده لحكمة يعلمها (وَيَقْدِرُ) أي ويضيق على من يشاء ، لأنه يعلم أن صالحه فيه (وَ) هم قد (فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر لا فرح شكر وسرور بفضل الله تعالى ، والفرح لذة في القلب بنيل المشتهى ، وهو تعريض
__________________
(١) هود (١١) ، ١١٤.
(٢) أخرج أحمد بن حنبل نحوه ، ٥ / ١٦٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٥١.
(٣) عن كيسان ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٥١.
(٤) عن محمد بن المبارك ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٥٢.
(٥) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٣ / ٣٥٢.
(٦) أخذه المفسر عن البغوي ، ٣ / ٣٥٣.
(٧) لعله اختصره من الكشاف ، ٣ / ١٠٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٣ / ٣٥٣.